يلقى حوالي 58 مليون شخص حتفهم سنوياً، لأسباب متنوعة ومتعددة، وقبل وقت ليس بالبعيد كانت الأمراض المعدية تحتل رأس قائمة أسباب وفيات أفراد الجنس البشري، وإن كانت الأمراض المزمنة غير المعدية، قد تمكّنت مؤخراً من احتلال هذه المرتبة، فحالياً تقع 70 في المئة من الوفيات السنوية بين أفراد الجنس البشري، أي ما يعادل 41 مليون شخص كل عام، نتيجة الإصابة بأحد أنواع الأمراض المزمنة غير المعدية، مثل أمراض القلب والسكري، والأمراض السرطانية، والأمراض التنفسية، واضطرابات الصحة العقلية.
وإن كان هذا لا يعني أن الأمراض المعدية لم تعد سبباً رئيسياً في الوفيات، فهي تحتل حالياً المرتبة الثانية في قائمة أسباب الوفيات، وبعدد وفيات يزيد على عشرة ملايين سنوياً، أي ما يعادل 20 في المئة من مجمل وفيات أفراد الجنس البشري، بل إنه في الدول النامية والفقيرة تحتل الأمراض المعدية مراتب متقدمة، حيث تحتل مثلاً الأمراض التنفسية المعدية المرتبة الأولى بعدد وفيات سنوي يقارب 2.7 مليون، كما يحتل فيروس الإيدز المرتبة الثانية بعدد وفيات يقل عن ذلك بقليل، وحتى في الدول الغنية والصناعية، نجد أن ميكروب السل يصنّف بين أهم عشر أسباب للوفيات، بعدد وفيات سنوي يزيد على نصف مليون.
ويمكن ترتيب أهم الأمراض المعدية من حيث عدد الوفيات التي تتسبب فيه على النحو التالي:
1- عدوى المجاري التنفسية السفلى.
2- الأيدز (مرض نقص المناعة المكتسبة).
3- أمراض الإسهال.
4- ميكروب السل أو الدرن بأنواعه.
5- طفيلي الملاريا.
6- فيروس الحصبة.
7- ميكروب السعال الديكي.
8- ميكروب التيتانوس.
9- التهاب السحايا أو الأغشية المحيط بالمخ.
10- ميكروب مرض الزهري.
11- التهاب الكبد الفيروسي (ب).
ويزخر التاريخ البشري المكتوب بأوبئة من أمراض معدية، حصدت أرواح جزء كبير من السكان، وتركت بصمتها على مجريات الأحداث لعقود وقرون لاحقة، ومن أوائل تلك الأوبئة هو الوباء المعروف بطاعون «جستنيان»، نسبة إلى الإمبراطور البيزنطي، والذي ضرب مدينة القسطنطينية عام 541 للميلاد، وقضى على أكثر من نصف سكان أوروبا حينها، وبشكل مماثل، طاعون الموت الأسود، والذي استمر لخمسة أعوام بين عامي 1347 و1352، ويقدّر أنه خفّض من تعداد أفراد الجنس البشري من 450 مليون عند بدايته إلى 350 مليون مع نهايته.
وإذا ما انتقلنا إلى العالم الجديد، فسنجد أن نقل الغزاة الإسبان لفيروس الجدري وميكروب التيفوس في القرنين الخامس عشر والسادس عشر إلى أميركا الوسطى والجنوبية، تسبب تقريباً في القضاء التام على السكان المحليين في بعض المناطق، حيث يقدر أن تعداد سكان المكسيك انخفض من 20 مليون إلى ثلاثة ملايين فقط، بسبب الأوبئة التي تسببت فيها تلك الميكروبات.
وفي العصر الحديث، وبالتحديد في القرن الثامن عشر، تسبب فيروس الجدري في مقتل 60 مليوناً من الأوربيين، وبمعدل 400 ألف وفاة سنوياً، وحتى من نجوا من المرض أصيب ثلثهم بالعمى الدائم، وفي القرن التاسع عشر، قتل ميكروب السل ربع سكان أوروبا من البالغين، لدرجة أنه حتى بداية الحرب العالمية الأولى عام 1918، كانت واحدة من كل ستة وفيات في فرنسا سببها السل، وفي نفس العام، أي 1918، ظهر وباء الإنفلونزا الإسبانية، والذي يقدر أنه تسبب في وفاة ما بين 25 و50 مليون شخص، وهو رقم يفوق جميع مَن قتلوا في الحرب العالمية الأولى والثانية معاً، وما زال فيروس الإنفلونزا يقتل حالياً ما بين ربع إلى نصف مليون سنوياً.
ويظهر هذا العرض الموجز، أن العلاقة بين الإنسان والميكروبات التي تسبب أوبئة الأمراض المعدية، سواء كانت فيروسات، أو بكتيريا، أو طفيليات، هي علاقة تاريخية أبدية، ستظل قائمة ومستمرة، طالما ظل الإنسان يقطن سطح هذا الكوكب الفريد، حيث ستظل هذه الميكروبات تحصد أرواح ملايين البشر عاماً بعد آخر، وتعتمد استراتيجية هذه الميكروبات في جوهرها على طفرات وراثية، تغيّر من تركيبتها البيولوجية بشكل يسمح لها بخداع جهاز المناعة وغزو الجسم، وفي المقابل، وخصوصاً خلال العقود القليلة الأخيرة، تمكّن الإنسان من تطوير خطوط دفاع غير مسبوقة، تتجسد في المضادات الحيوية التي يمكنها قتل كثير من البكتيريا، وإن كانت تظل عاجزة أمام الفيروسات، هذه الكائنات الغريبة، أي الفيروسات، يظل خط الدفاع الأهم والأكثر فعالية ضدها، هو التطعيمات الطبية، والتي أثبتت جدارتها، مما جعلها أحد أهم الإنجازات الطبية الحديثة على الإطلاق، وستظل الفيروسات تغير من تركيبتها الوراثية، أو تقفز أنواع غير مسبوقة منها من الحيوان إلى الإنسان، لتبدأ بذلك حلقة جديدة من صراع لا يتوقع له أن ينتهي عن قريب.