«نحن في مرحلة التفاوض على نظام عالمي جديد، وبريطانيا بحاجة إلى السير في مسار يحافظ على علاقات قوية مع أكبر عدد ممكن من حلفائنا»، هكذا علقت المديرة الإدارية لمجموعة السياسة الخارجية البريطانية، صوفيا غاستون، على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فهذه اللحظة التاريخية تعتبر علامة فارقة ليست لبريطانيا فقط بل للعالم أجمع.
لقد أثارت مغادرة بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير مشاعر مختلطة بين البريطانيين. فقد كانت ردات فعل حزينة من العديد الذين نظروا إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على أنه تغيير مكانة بريطانيا من طليعة أوروبا إلى مجرد مستقبل يتسم بالوساطة الاقتصادية وعدم الأهمية الجيوسياسية.
ولكن هناك الكثير ممن يرون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يومًا للتحرر أو الاستقلال من بيروقراطية بروكسل والذي سيؤدي إلى مستقبل من الابتكار الاقتصادي والسياسة النشيطة، فهي تعتبر «لحظة من التجديد الوطني الحقيقي»، على حد تعبير رئيس الوزراء بوريس جونسون. فبريطانيا في مرحلة إعادة صناعة هويتها اقتصادياً واجتماعياً وأيضاً مكانتها في العالم.
إن أهم قوة دفع كانت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هي الشعوبية والقومية الوطنية، والتي من شأنها إعادة هيكلة الهوية السياسية. فالبعض يرى أن هناك تشابهاً بين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب في الولايات المتحدة، حيث الخلاصة أن «الشعوب تريد استرجاع بلادها». فشعار بريطانيا بعد بريكست يحاكي شعار أميركا بعد انتخاب ترامب: «America First» أو أميركا أولاً، لذلك تزايدت شعبية المرشحين المناهضين للمؤسسة السياسية. وقد اعتمدت الأصوات المؤيدة لبريكست والأصوات المؤيدة لترامب على نفس الديناميات: أصوات ضد النخبة، وضد الهجرة، وضد العولمة.
تختلف بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي في أمور كثيرة، مثل رفض الانضمام للاتحاد النقدي الأوروبي والمطالبة بتجارة حرة خاصة مع الولايات المتحدة، وبالتالي بريكست سيكون انتصاراً للسيادة البريطانية لأنه سيمكنها من سن قوانين تناسبها وليس 27 دولة أخرى. فكما ذكر جوناثان باول، رئيس هيئة الأركان لرئيس الوزراء السابق توني بلير، «لقد انسحبنا من أجزاء وقِطع، لذلك لم نكن على قمة الطاولة. إذا كنت نصف شريك فلا فائدة من أن تكون شريكاً على الإطلاق».
إن علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي تذكرنا بعلاقة الكثير من الدول العربية ببعضها البعض وهي علاقة «النصف شريك» وقد اتضح ذلك بما سمي ب «صفقة القرن». فقد كانت ردود الأفعال الرسمية للموقف العربي ضعيفة ومترددة ومتناقضة كما وصفها أحد المسؤولين الكويتيين السابقين، في مقاله المعنون ب«الصفقة: رفض وغداء». فكما ذكر، «نؤيد الجهود التي تنشد السلام ونؤيد الحقوق الفلسطينية المشروعة». فهذا الموقف ينقصه الشفافية، فلا أحد جرأ أن يقول لابد من اتباع مبدأ «خذ وطالب» وضرورة التفاوض وليس الرفض المطلق، لأن الجميع يعلم أن المطالبة بالتعقل سيقابل «بالتخوين والتصهين والعمالة، إلخ الأسطوانة».
لقد صرح الكثير من الأكاديميين البريطانيين المؤيدين لبريكست أن التغيير عن طريق الصدمة، قد يكون مفيداً للدول لأنه يقوم بعملية تنشيط. ما قامت به بريطانيا قد يلهم بعض الدول العربية بالقيام بنفس الصدمة لإصلاح السياسات المكررة لأكثر من 70 عاما من دون جدوى. كذلك أولويات الشعوب العربية تحتم ذلك، فالكل الآن منهمك بمصالح بلاده الأمنية والتنموية وبالتالي هويات، مثل القومية العربية ستستبدل بالهوية الوطنية، لأن أغلب الشعوب العربية أصبح شعارها يأتي مشابهاً لناخبي ترامب: «أميركا أولاً». فالغالبية ترى أن مصلحة بلادها فوق الجميع، وتريد التحالف مع من يدفعها للأمام لا مع من يجرها للخلف بشعارات بالية وابتزازات تخوينية فارغة.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي