مع اقتراب موعد حفر أول بئر للنفط في لبنان بعد تأجيله مرتين، يشتد التنافس بين الشركات الروسية والصينية والأوروبية، بينما تتريث الشركات الأميركية التي تترقب تطور صراع النفوذ وتقاطع المصالح بين الدول المتصارعة، وتحديد خططها وبرامجها للمرحلة المقبلة في «الاستثمار السياسي».
عندما بشر رئيس الجمهورية ميشال عون اللبنانيين في 13 ديسمبر الماضي، بقرب دخول لبنان نادي الدول المنتجة للنفط، كان يستند إلى موعد أطلقته وزيرة الطاقة السابقة «ندى البستاني» ببدء أعمال حفر أول بئر في البلوك رقم 4 الواقع في منطقة البترون البحرية في يناير 2020، وقد سلمت ترخيصاً رسمياً بذلك لائتلاف ثلاث شركات (توتال الفرنسية، إيني الإيطالية، ونوفاتيك الروسية)، على أن تستغرق عمليات الحفر حوالي شهرين، يضاف إليهما شهران لتقييم احتمال وجود كميات تجارية. ولكن مضى الشهر المحدد، وربما يمضي شهر فبراير الحالي، وعمليات الحفر لم تبدأ بعد، بانتظار وصول الحفارة «فانتاج» من مصر بعد إنجاز أعمالها هناك. أما بالنسبة لدخول لبنان نادي الدول المنتجة، فهي مسألة لا ترتبط باكتشاف آبار النفط فحسب (وفق الخبراء) بقدر وجود كميات تجارية وتأمين السوق الدولية لتصديرها، وفي الوقت نفسه أعلنت شركة «توتال» أن استخراج النفط في لبنان لن يبدأ قبل عام 2029، في حال بدأ الحفر العام الحالي، وتم تحديد كمية ونوعية المواد القابلة للاستخراج عام 2021، على أن يتخذ الكونسورتيوم القرار الاستثماري النهائي تبعا للجدوى التجارية 2022، وتتم الموافقة الحكومية على خطة الإنتاج وتصميم المنصة الاستخراجية والأنابيب حتى 2026، وخلال ثلاث سنوات إلى 2029 تكون قد أنجزت عمليات التحضير للبنى التحتية وبدء الاستخراج.
وإذا كان الحفر تأجل لأسباب تقنية، فإن تأجيل دورة التراخيص الثانية التي تشمل البلوكات 1 و2 و5 و8 و10، من 31 يناير إلى 30 أبريل المقبل، يرتبط بالسعي لجذب مزيد من الشركات العالمية لتعزيز المنافسة وتكوين عدد من التحالفات، خلافاً لما حصل في الدورة الأولى التي شارك فيها فقط تحالف واحد. وبما أن نفط لبنان أصبح في«عاصفة» الصراع الدولي على استثمار النفوذ «الجيوسياسي»، فإن القرار الاستراتيجي لم يعد بيد الشركات، بل انتقل إلى حكومات الدول المتصارعة. ويلاحظ أن روسيا تسعى للحصول على مزيد من الاستثمارات، وبعد شركة «نوفاتيك» وحصتها 20% من البلوكين 4 و9، وحصول«روسنفت» على امتياز تطوير منشآت النفط في طرابلس، تستعد شركات روسية أخرى، مثل «غاز بروم» و«لوك أويل»، للاشتراك في دورة التراخيص الثانية، وخصوصاً البلوكين 1 و2 الواقعين على الحدود البحرية شمالاً مع سوريا، مستفيدة من قدرة موسكو على حل الخلاف مع الحكومة السورية. أما بالنسبة للشركات الأميركية، فهي تترقب تطورات المنطقة، مع تركيز واشنطن على تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل واليونان، وسعيها للحصول على أكبر استثمارات نفطية وغازية في لبنان، ولا سيما بالجنوب، في إطار وساطتها لحل الخلاف على ترسيم الحدود مع إسرائيل. ومن المنتظر أن يزور بيروت قريباً مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر لاستئناف المساعي الأميركية. وكذلك فرنسا التي تركز اهتمامها الكبير على استقرار لبنان، تسعى بدورها لمضاعفة استثماراتها في النفط والغاز.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية