منصب رئاسة الوزراء في العراق مقرون بالعبأين المشهورين للسلطة السياسية: «تاج شوك» و«كأس مسمومة». مسكين محمد توفيق علاوي، الذي يتعين عليه التعاطي مع هذا النوع من الأعباء. تكليفه، بعد شهرين من الصراع بين أكبر الكتل السياسية في البلاد، رُفض فوراً من قبل المحتجين العراقيين الشباب الذين أطاحت مظاهراتهم المعارضة للفساد بسابقه. وفرصه في معالجة تظلماتهم ضئيلة، لأن الأحزاب التي تدعمه لا مصلحة لها في أي إصلاحات.
علاوي هو المرشح التوافقي الذي وافق عليه الزعيمان الشيعيان الأقوى في البلاد – هادي العامري، الذي يعتبره البعض رجل إيران في بغداد، والسياسي ورجل الدين مقتدى الصدر. طهران رحبت بتعيينه. وذهب الصدر إلى أبعد من ذلك، حيث سحب أنصاره من ساحة التحرير وأماكن أخرى يحتلها المحتجون. ويحاول «الصدريون» الآن إرغام المحتجين على المغادرة.
رئيس الوزراء الجديد يعرف ما الذي يتوقعه منه العامري والصدر: تقسيم للوزرات الحكومية المربحة بين أنصارهما وطرد القوات الأميركية من العراق.
وقد سبق لعلاوي أن شغل مرتين منصب وزير الاتصالات في حكومة شخص آخر كان يحظى بدعم إيران، رئيس الوزراء نوري المالكي، ولكنه استقال احتجاجاً على الفساد وسياسات رئيسه الطائفية بشكل صريح. ويمكن القول إنه تحت ظروف أخرى، ربما كان هذا سيشفع له ويُكسبه بعض التأييد بين المحتجين.
ومع ذلك، يظل المحتجون أمل علاوي الوحيد للوقوف في وجه خصومه السياسيين. ذلك أنه إذا استطاع توجيه غضبهم وتبني طموحاتهم الإصلاحية، فإنه قد يكتسب بعض المجال السياسي الخاص به.
وهذا هو ما كان ينبغي على سلف علاوي، عادل عبد المهدي، القيام به – أو على الأقل محاولة القيام به. فهو أيضاً كان مرشحاً توافقياً مديناً لشخصيات سياسية من الوزن الثقيل. ولكن بدلاً من أن يعمل على استقطاب المحتجين، أشرف على قمع عنيف، شمل أمن الدولة إلى جانب الميليشيات الشيعية، التي لم تزد الوضع إلا سوءا. وفي نهاية المطاف، لم يكن أمامه خيار سوى الاستقالة.
فهل يستطيع علاوي أن يكون أحسن منه؟ الواقع أن هذا الأخير بدأ بقول الأشياء المناسبة، إذ شجع المحتجين على الاستمرار ووعد بإصلاحات سياسية واقتصادية. وقال: «الآن أنا موظف عندكم، وأحمل أمانة كبيرة، فلا تتركوا ساحات التظاهر دون تحقيق مطالبكم».
غير أن الخطابات وحدها لن تكسبه رأسمال سياسيا. والاختبار الحقيقي لعلاوي هو إن كان سيستطيع حماية المحتجين من قوات الأمن والمليشيات. فخلافا للعامري والصدر، فإن علاوي لا يملك أي عضلات ليستعرضها في الشوارع. وبالتالي، فربما أفضل رهان لديه هو السعي وراء دعم الرجل الذي يهابه كلا الرجلين: علي السيستاني.
وهذا المرجع الديني الأكبر للشيعة في العراق لا يملك مليشيا، ولكن حجم أتباعه الشيعة يجعل مباركته ضرورية لأي رئيس وزراء. وقد عبّر السيستاني عن تعاطفه مع المحتجين، وعارض التأثيرين الإيراني والأميركي على حد سواء، ودعا إلى تطهير المشهد السياسي للبلاد. وعلى غرار المحتجين، يعتقد أن البلاد في حاجة إلى انتخابات جديدة.
وعلاوي يبدو أنه متفق مع هذا الرأي، إذ وعد بانتخابات يشرف عليها مراقبون دوليون. والحال أن الأحزاب السياسية – وليس الفصائل الشيعية فقط – لديها مصلحة في الإبقاء على الوضع الراهن في البرلمان وستبدي مقاومة شديدة لأي تغيير. مقاومة سيتطلب التغلب عليها قيادة سياسية محنكة من قبل علاوي ودعم السيستاني، ولكن ذلك قد يكون الوعد الوحيد الذي يستطيع رئيس الوزراء الوفاء به.
* محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»