كان رد فعل وزير التجارة الأميركي «ويليام روس» شديد الحساسية تجاه وباء فيروس كورونا خلال مقابلة أجريت معه مؤخراً، حيث قال الوزير: «أعتقد أنه سيساعد على تسريع عودة الوظائف إلى أميركا الشمالية. البعض إلى الولايات المتحدة، وربما البعض الآخر إلى المكسيك كذلك.. والحقيقة هي أن هذا يعطي الشركات الأميركية كذلك شيئاً آخر للتفكير فيه عندما تستعرض سلاسل التوريد الخاصة بها».
ولعل كلاماً مثل هذا قد لا يكون قوله لائقاً في وقت يصاب فيه الآلاف من الصينيين بفيروس كورونا، ويتجمع ملايين آخرون في منازلهم تحت حصار الخوف من انتشار المرض. لكن ربما يكون كذلك خطأ، حيث أنه من غير المرجح أن يكون فيروس كورونا نعمة بالنسبة للوظائف في الولايات المتحدة.
صحيح أن الوباء قد يجعل الشركات متعددة الجنسيات تعيد التفكير في اعتمادها على الصين. فالبلد كبير جداً لدرجة أنه على الرغم من الحاجة إلى التنوع، لا يسع الشركات سوى العودة إليه كمصدر للمكونات والسلع المصنعة. فكل من الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، تعتمد بشكل خاص على الصين في هذا الصدد.
بيد أنه من غير المرجح أن تكون هذه البدائل في الولايات المتحدة. الآن وقد أنشأت الشركات الأميركية البنية التحتية الإدارية والفنية لإدارة سلاسل التوريد العالمية، هناك الكثير من البلدان الأخرى منخفضة التكلفة متاحة. كما أن النجاح المذهل الذي حققته الصين في توفير فرص العمل ورفع مستويات المعيشة لشعبها من خلال جذب الاستثمارات متعددة الجنسيات قد ألهم عدداً من الدول الأخرى في محاولة لتكون الصين القادمة.
ومن بين تلك الدول فيتنام وبنجلاديش؛ فكلاهما لديها حكومات مستقرة، وتكاليف عمل منخفضة، وبدائل طبيعية لتصنيع عناصر تحتاج إلى عمالة كثيفة مثل اللُّعب والملابس والأثاث، وكذلك الإلكترونيات التي تحتاج إلى تجميع، وهلم جرا. وعلى سبيل المثال، تعد بنجلاديش نجمة في صناعة الملابس، وفي الوقت نفسه، قفز العجز التجاري الأميركي مع فيتنام، والذي كان يزداد منذ سنوات، ليصل ذروة جديدة في عام 2019.
وقد يؤدي تفشي فيروس كورونا إلى تسريع ذلك التحول وجذب بلدان مثل إندونيسيا وإثيوبيا والفلبين.. لسلاسل الإمداد العالمية. فكل دولة لديها قدرة محدودة على امتصاص الإنتاج من الصين بسبب الاختناقات المؤسسية وعدد السكان الأقل، لكنها يمكن أن تقدم معاً بعض التنويع للشركات متعددة الجنسيات. وقد يكون الخروج الكلي للشركات العالمية من الصين قصة مختلفة، بيد أن هذا أمر غير محتمل في الأمد المنظور.
وفي الوقت نفسه، قد يعود بعض الإنتاج إلى الولايات المتحدة من الصين. لكن من المرجح أن يكون هذا الإنتاج من النوع الذي يحتاج إلى رأسمال كبير، مثل الصناعات الثقيلة والتصنيع المعقد. هذه هي الأشياء التي تؤديها بشكل أفضل الماكينات والروبوتات بدلاً من الأيدي البشرية. والأجور المرتفعة في الولايات المتحدة تعني أن إرجاع الأشخاص والخدمات التي تمت الاستعانة بها في الصين لن يساهم سوى بالقليل في مواجهة الاتجاه نحو التشغيل الآلي في مجال التصنيع، مما يعني أن أي مكسب في الوظائف الأميركية سيكون محدود النطاق.
وتلك هي مجرد آثار تحويل التجارة. وعلى الرغم مما كُتب كثيراً حول المنافسة التي محصلتها صفر بالنسبة لعائدات استثمارات الشركات متعددة الجنسيات، فالحقيقة هي أن حجم النشاط الاقتصادي في العالم ليس ثابتاً. ومن المحتمل أن يؤدي فيروس كورونا إلى خفض النمو في الصين، مما يعني انخفاض الطلب على المنتجات الأميركية الصنع. وسيؤدي تعطيل سلاسل التوريد أيضاً إلى ارتفاع الأسعار، وربما حتى نقص السلع، مما يلحق الضرر بالاقتصاد الأميركي. وقد يفوق تأثير تباطؤ النمو الصيني على الوظائف أي فائدة من إعادة هذه الوظائف إلى الولايات المتحدة.
لذا فإن تعليقات وزير التجارة الأميركي، ويليام روس، ليست قاسية فحسب، بل إنها تعكس فهماً مختلاً للاقتصاد العالمي. وتَصوُّر إدارة ترامب للتجارة الدولية بوصفها لعبةً محصلتُها صفر بين الدول، يخبرنا بجزء صغير فقط من القصة الكاملة. والحقيقة هي أنه عندما تعاني دولة واحدة، لاسيما دولة كبيرة ومهمة مثل الصين، فإن معظم الدول الأخرى ستنال هي الأخرى نصيبها من المعاناة.

*أستاذ مساعد للعلوم المالية في جامعة ستوني بروك الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»