عندما أصبحت تشيلي، والتي عادة ما تتمتع بالاستقرار، هي أحدث دولة في أميركا اللاتينية تشهد احتجاجات عنيفة، وقد عرفتها في شهر أكتوبر الماضي، بدأ الرئيس «سيباستيان بينيرا» في تقديم تنازلات: تعليق الزيادة في أسعار تذاكر مترو الأنفاق، وزيادة المعاشات التقاعدية، وإجراء تعديل وزاري، والموافقة على إعادة صياغة الدستور الذي تم وضعه أثناء الحقبة الدكتاتورية.
وبينما ساعدت هذه الخطوات على تهدئة الاحتجاجات، بشأن عدم المساواة وضغوط تكاليف المعيشة، بعد سقوط ما لا يقل عن 20 قتيلاً و2500 جريح، لا يزال المئات (معظمهم من الشباب) يتظاهرون أسبوعياً، ويتصادمون مع قوات الأمن، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج قاتلة.
وفي الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، قامت مجموعة من الأشخاص أثناء مغادرتهم مباراة لكرة القدم في سانتياغو، بإلقاء الحجارة على الشرطة، وهي هدف المحتجين منذ مظاهرات أكتوبر. فدهست وقتلت سيارة الشرطة رجلاً في السابعة والثلاثين من العمر. وأثار فيديو للحادث غضب الجمهور. وبعد يومين، قُتل متظاهر يبلغ من العمر 22 عاماً في حافلة نقل عام.
ومن المتوقع أن يعالج الدستور الجديد، على الأقل، بعض المخاوف التي دفعت الناس إلى الشوارع في المقام الأول، بما في ذلك اعتراف الحكومة بالرعاية الصحية والتعليم كحقوق إنسان أساسية. ومع ذلك، لن يتم تقديم الوثيقة التي لم تُكتب بعد للموافقة عليها حتى أواخر 2022، ويتساءل المحللون عما إذا كانت الحكومة تستطيع تحمل الإنفاق الجديد الذي قد يكون مطلوباً بشدة.
ويقول «باتريشيو نافيا»، أستاذ العلوم السياسية التشيلي بجامعة نيويورك: «أصبح الدستور نوعاً من الترياق. فالناس يعتقدون أنه في ظل دستور جديد، سيتم حل كل مشاكل تشيلي وستتحسن نوعية الحياة. هناك مشكلة في التوقعات المفرطة التي ستصبح تحدياً كبيراً للبلاد في المستقبل».
ومن ناحية أخرى، تراجعت شعبية «بينيرا» بشكل كبير، بينما يخطط الطلاب للقيام بمظاهرات أكبر في شهر مارس، ويقول الطلاب في الشوارع إنهم لا يتوقعون أن يعالج الدستور مخاوفهم، والتي تتراوح بين زيادة المعاشات وتوفير التعليم المجاني وعزل الرئيس الذي يتبع يسار الوسط ونهاية الرأسمالية.
ويناقش كونجرس تشيلي قواعد إجراء استفتاء عام في أبريل القادم، حيث يختار الناخبون ما إذا كانوا سيعيدون صياغة دستور 1980 وكيفية القيام بذلك. وتظهر استطلاعات الرأي أنه من شبه المؤكد أن تتم الموافقة على إعادة الصياغة. ومن المقرر إجراء انتخابات في أكتوبر للجمعية الدستورية التي ستبدأ عملها في نوفمبر. وسيكون أمام الأعضاء سنة لصياغة وثيقة، لتقديمها للتصويت على المستوى الوطني.
وقال بينيرا أمام حشد من قادة الأعمال، مؤخراً: «أشعر بأن المناقشة تركزت على الإجراءات والأساليب، ولم نناقش القضايا المهمة حقاً. ولا نعرف كيف سينتهي ما بدأ في 18 أكتوبر. هناك مساران: الأول هو العنف، والآخر هو تجميع كل الأصوات باهتمام والاستجابة لاحترام سيادة القانون، دون التضحية بقدرتنا على النمو».
وهناك سؤال واحد يدعو إلى النقاش، وهو ما إذا كان يجب على الجمعية الدستورية الالتزام بالمساواة بين الجنسين. وتضغط الحركة النسائية في تشيلي، وهي أحد أكثر القطاعات نشاطاً في المظاهرات منذ أكتوبر، ليس فقط من أجل التكافؤ في البرلمان، بل أيضاً من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين في الدستور الجديد.
ومن المحتمل أن تؤدي وتيرة العملية إلى إطالة حالة عدم الاستقرار السياسي، ما قد يكون له تأثير على الاستثمار المحلي والأجنبي. وقال وزير المالية «إيجناسيو بريونيس»، في ديسمبر الماضي، إن الحكومة خفّضت توقعات النمو لعام 2020 من 2.3% إلى 1% بسبب «العنف والنهب والدمار الذي شل حركة الاقتصاد».
وأجبر الطلاب على وقف اختبارات «سات» في تشيلي في عدة أماكن، واعتُقل العشرات منهم هذا الأسبوع للتظاهر مرة أخرى ضد اختبارات القبول في الكليات. ويقول المحتجون إنه يتعين على الجامعات العامة قبول مجموعة متنوعة من المتقدمين، بدلاً من الاعتماد على نتائج الاختبارات التي يعتبرونها جزءاً من «نظام النخبة».
ولا يزال الطلاب يتهمون الحكومة بانتهاكات حقوق الإنسان واتهام الشرطة بالقمع. وقد أعدت لجنة البلدان الأميركية لحقوق الإنسان تقريراً عن حالات سوء استخدام السلطة والتعذيب على أيدي قوات الأمن في أكتوبر الماضي. وقام أحد أعضاء مجلس الشيوخ التشيلي برفع دعوى ضد الرئيس بينيرا في المحاكم التشيلية، بسبب مزاعم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ويقول الحزب الشيوعي إنه سيقاضيه في المحكمة الجنائية الدولية.

*مراسلة صحيفة «واشنطن بوست» في مكتب أميركا الجنوبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»