سيكون الناخبون «الديمقراطيون» من الذكاء حتى يتقبلون سياسة مملة وعادية ومتعبة ولا ترقى إلى المستوى الذي يريدونه، لكنها أفضل من لا شيء. وينبغي أن يثبتون للولايات المتحدة الأميركية أن حزباً واحداً رئيسياً على الأقل سيرشح شخصاً ثابتاً ومعقولا ليكون رئيسهم.
ومشكلة نائب الرئيس السابق جو بايدن –وربما مشكلة البلد ككل– أنه يجعل ما هو ممل أكثر مللاً مما يجب أن يكون. وفي يوم السبت الماضي، ملأ بايدن قاعة صغيرة في نورث ليبرتي، إحدى ضواحي مدينة ايوا، بحشد بدا مطابقاً للحشود التي كانت تجمعها هيلاري كلينتون في عام 2016. كانت المجموعة الأكبر سناً بشكل عام تهتف مبتهجةً هنا وهناك، خاصة بشأن الإطاحة بالرئيس ترامب والسيناتور الجمهوري «جوني إيرنست»، لكن الحماس بدا أنه مدفوع بحكم الواجب أكثر من كونه تلقائياً.
وقال بايدن في رتابة خفيفة، دون حتى التفكير في التوقف من أجل التصفيق: «سأفعل كل ما يلزم لإحراز تقدم في الأمور الأكثر أهمية». كان من السهل أن ندرك أن برنامج بايدن يتماشى مع ما اقترحه باراك أوباما عام 2008. فهو يعد بمحاربة التغير المناخي بقوة، وإنشاء خيار سخي للرعاية الصحية العامة ومكافحة الأسلحة النارية.
لكن إذا كان هذا أكثر تقدماً مما تجرّأ أوباما عليه، فهو أقل إثارة للبهجة مما قدمه أوباما. أحياناً كان بايدن يبدو وكأنه يحث الجمهوريين على التجمع لصالحه. وكان ينقل أقوالاً عن رونالد ريجان وديفيد بروكس (كاتب العمود في صحيفة «نيويورك تايمز»). وقد أعلن قائلاً: «أرفض قبول فكرة أنها حرب أبدية بين الديمقراطيين والجمهوريين»، داعياً إلى الوحدة والصلح.
لم يكن شيء مما قاله خطأ. لكن الحدث انتهى بقيام وزير الخارجية الأسبق جون كيري بإحياء الحدث، مما ينم عن مستوى الإثارة. وقال كيري، المرشح الرئاسي «الديمقراطي» لعام 2004، «بعد أقل من عام من الآن، سيكون جو بايدن في طريقه إلى البيت الأبيض وسيكون دونالد ترامب قلقاً بشأن الانتقال إلى المنزل الكبير»، في عبارة مألوفة للغاية.
إن شخصية ترامب المثيرة ستحفز الكثيرين في الوسط على البحث عن مرشح هادئ ومهذب، لذا فمن المنطقي بالنسبة لبايدن أن يحفز الوسط الديمقراطي، وحتى «الجمهوريين»، بشأن الشخصية واللياقة والوحدة. بعبارة أخرى، أن يكون مملاً. هذا هو جوهر حجته في موسم الانتخابات التمهيدية: يمكنه الفوز بأصوات الناخبين الوسطيين الذين لا يريدون التصويت لصالح ترامب في الانتخابات العامة. وكان من الممكن أن يؤيد بعض الجمهوريين السابقين بايدن في المؤتمرات الحزبية الديمقراطية التي أقيمت في ايوا يوم الاثنين.
تخيل لو قدَّم هذه الحجة بشكل أفضل. إن فشله في القيام بذلك ترك فرصة كبيرة لعمدة ساوث بيند (انديانا) السابق «بيت بوتيجيج» (ديمقراطي). كما هو الحال مع بايدن، حيث يقدم بوتيجيج رسالة موحّدة وبرنامجاً تقدمياً واقعياً، لكنه لا يجعل الأمر يبدو وكأنه استسلام. ومن جانبها، تستطيع عضو مجلس الشيوخ «الديمقراطية» «آمي كلوبوشار» (من ولاية مينيسوتا) تقديم خطاب مثير للحماس أكثر من بايدن.
لكن الليبرالية الأميركية بالمعنى الأوسع –أي الإجماع الذي يحكم الأمة منذ فترة طويلة، والذي تخلى عنه الحزب الجمهوري الآن– تحتاج إلى بطل، وليس عدداً من المرشحين يقسّمون حصص بعضهم البعض من الأصوات. وفي نهاية الطريق من حشد بايدن يوم السبت، كان حشد يتألف من 3,000 من الشباب والهيبيين يهتفون بصوت عال فيما كان المخرج «مايكل مور» يقارن ساندرز ضمنياً بيسوع المسيح. وقال مور إن اشتراكية ساندرز الديمقراطية تشبه حرفياً معجزة الخبز والسمك: وقال بصوت عال: «الجميع سيأخذ قطعة من الخبز والجميع سيحصل على قطعة من السمك. هذا ما يسمى بتقاسم الثروة، هذا ما يطلق عليه إعادة التوزيع». ثم أوجز ساندرز ثورته السياسية، أي نهج «نحن نفوز وأنت تخسر» في السياسة الذي يثير مطالب غير واقعية في أذهان المؤيدين ويصد هؤلاء الذين يعانون من خلافات طفيفة. هذا يشبه، على سبيل المثال، الخبراء الذين يتعاطفون مع أهداف ساندرز، لكنهم يشيرون إلى أن الأمر سيحتاج معجزةً لزيادة أرقامه أو لكي تحظى سياساته بشعبية على نطاق واسع.
إن ساندرز يخوض حرباً غير متكافئة وفقاً لمصلحته. فهو يرفض فكرة أن الواقع كما قدم نفسه حتى الآن ذو صلة. وهو لديه الرفاهية لقول ما يريد بصوت عال. وليس من العدل أن يروج ساندرز لهراء بينما يتعين على خصومه التعامل مع الواقع الممل.
لكن هذا ما يتطلبه العصر. وقد يثبت بايدن أنه يمكنه الاستمرار من الناحية السياسية، في ايوا وفي أماكن أخرى. وإذا كان الأمر كذلك، فلن يكون ذلك لأنه بلغ المرحلة الأكثر أهمية.

*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»