أقل من خمسين عاماً من سير الزمن السريع، ظهر على المسرح العالمي دولة ووطن وحضارة، سمة هذه الدولة الدقة والإتقان، وسمة هذا الوطن الأمن والتعايش والتسامح، وسمة هذه الحضارة الإبداع والابتكار إنها: الإمارات العربية المتحدة.
لقد هيأت الأقدار قائداً فذاً ومؤسساً عظيماً وبانياً قوياً آتاه الله الحكمة وبعد النظر، وأيده بتوفيق من عنده حتى صار أمثولة القيادة ورمز الحكمة إنه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» الذي وضع الأسس ورسم خطوط المستقبل وشحذ العزائم، وأخلص العمل، وأنجز الكثير من الأعمال الجليلة لهذا الوطن وللإنسانية، وحمل الراية من بعده أبناؤه البررة وأبناء مدرسته المخلصون فحافظوا على الإرث وواصلوا العمل ووسّعوا الرؤية وثابروا على النهج، فأصبح الوطن النموذج الذي جعل سعادة الإنسان وازدهار الوطن غايته، والبعد الإنساني مقصده.
إن هذا الوطن النموذج قد قدَّم أعمالاً جليلة في ميادين الحياة كلها، والتعليم، والصحة، والصناعة، والتجارة والعلاقات الدولية، والأمن الاجتماعي، والبنية التحتية، وذلك في زمن قياسي صعد بالوطن ليكون في مصاف الدول الناهضة والحضارية والمتقدمة، وقد كان ذلك بحكمة القيادة وإرادتها وإصرارها، وها هي القيادة اليوم تضع اللمسات الأخيرة على طريق المستقبل لهذا الوطن، وهذا ما أعلنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي بفكره المبدع وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بفكره المشرق وحكمته الراسخة ورؤيته الثاقبة، إننا اليوم أمام منعطف جديد لم يسبق في التاريخ له مثيل.
هذا المنعطف كما قررته القيادة الرشيدة يتركز على أمرين اثنين:
الأول: استنهاض همم جميع أبناء الوطن بكافة فئاته وتخصصاته وأعماره ورجاله ونسائه، ليكون لهم موقع في بناء الوطن والإعداد لمشروعات مستقبله الكبرى بدءاً من الإنسان وانتهاءً بحضوره العالمي وامتداده الإقليمي والداخلي في واقع الحياة وتطورها المادي والمعنوي، ليتم ذلك عن طريق فتح باب المشاركة الفعالة في تقديم الرأي الواضح والفكرة النافعة لتكون محل الدرس والتقويم بكل شفافية وجدية لتنقل إلى التطبيق والعمل.

إن هذا الاستنهاض للمجتمع والوطن سيصنع نموذجاً فريداً في التعاضد والتعاون بقوته الفكرية والمعنوية والمادية وصناعة الإبداع الذي أصبح ميدان التنافس العالمي، إن التأثير العالمي قد تغير اليوم وهو متسارع في التغيير وهذا هو فكر قيادتنا المبدع الذي أدرك أهمية الإنسان وإسهامه في بناء الوطن وفتح الطريق أمامه، وهذا الذي كان يراه القائد المؤسس الشيخ زايد «طيب الله ثراه». وذلك ما يؤكده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، أيده الله، في كل مناسبة ألا وهو الاستثمار في إنسان هذا الوطن ليكون مشاركاً عالمياً ومؤثراً إنسانياً في كل ميادين الحياة، يحمل الراية بجدارة ويعتز بالانتماء والولاء.
وها هي الأبواب تُفتح لإبراز المواهب الوطنية التي سهرت عليها القيادة منذ عقود، ولن تكون مقصرة أو مترددة ، وإنها اليوم في أرجاء العالم تضرب الأمثال الرائعة وتنجز الأعمال الباهرة، سنكون أمام وطن حيّ نابض بالحيوية كخلية نحل ليس فيها أحد لا يقوم بعمل أو مهمة أو إنتاج، لتصبح قفزة سامية وملهمة في عالم متسارع متنافس.
إن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد «حفظه الله»، بفكره المستنير منشغل بمستقبل أبناء الوطن، وقد أعلنها حين قال: «إننا نستعد لنواجه الحياة والمستقبل بعد آخر برميل نفط يصدر من وطننا»، حيث أدرك العالم مقاصد هذه الرؤية البعيدة، وأن الأعمال الجليلة التي تخطط لها القيادة وتنجزها واحداً تلو الآخر إنما تأتي من رؤية قيادية فذة وفكر مشرق واستراتيجية واضحة راسخة.
والأمر الثاني: إن الدول قد اعتادت أن تخطط للمستقبل لسنوات عديدة، وقد شاع ذلك عالمياً في منتصف القرن الماضي، إننا اليوم أمام رؤية قيادية فريدة، وهي التخطيط للخمسين سنة القادمة، وجعل أبناء الوطن يضعون نصب أعينهم خططهم لهذا المدى من السنين، ويبنون طموحاتهم وأفكارهم وأعمالهم لتلك العقود وأكثر، وهذا يأتي إيماناً من القيادة الرشيدة بأن هذا الوطن حصنه منيع بفضل الله تعالى وعزيمة قيادته وشعبه والتمكن في كافة مجالات الحياة ما جعله في صعود مستمر وحضور متزايد وعالمي وريادي ومتجدد. وذلك نموذج لرؤية القيادة الرشيدة بقيمة ربط الأجيال ببعضها برباط وثيق قوي، فكما نعمنا وما زلنا ننعم بجهود المؤسسين، فيجب أن تنعم الأجيال القادمة بجهود العاملين اليوم.
فرؤية القيادة الحكيمة التي ترى هذا الوطن بعد خمسين عاماً وقد أكد النموذج الفريد في كل مجالات الحياة، تعلم أن ذلك لا يكون بكلام أو بالأماني والتمنيات، بل إن ذلك يحتاج لعمل رشيد، وقبله إلى فكر صالح سديد، وقد قال الحكماء الأوائل: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً..) وإن ربط الأجيال ببعضها برباط وثيق قوي هو من الحكمة، فكما ننعم نحن اليوم بجهود المؤسسين، ستأتي الأجيال القادمة لتنعم بجهود العاملين اليوم، وتلمس آثار حكمة هذه القيادة الرشيدة.
إن وضع الاستراتيجيات والخطط لخمسين عاماً قادماً بل ومائة عام، هو نموذج جديد وفريد في عالمنا المعاصر يرسخ القوة للوطن والاعتزاز لأبنائه ومحبيه، ويقدم نموذج الحضارة القادمة التي تتسم بالتوازن والتكامل في ميادين الحياة.
وإن ذلك يقدم للمفكرين والمبدعين دفعة قوية لتصور هذه الحضارة التي بدأت شمسها تشرق من هنا، ما يسدّد فكرهم ويرشد طريقهم ويجنبهم المتاهات والتخبطات الفكرية الخطيرة.
الأعمال الجليلة التي ينجزها هذا الوطن وقيادته هي التي ستصل بنا إلى الأهداف النبيلة التي سطرتها القيادة، وألقت أفكار الشيخ محمد بن زايد الضياء عليها لما فيها من عزة للوطن وسعادة لأبنائه ورفعة للأمم والشعوب.
وهذه هي أنبل الأهداف التي تسعى إليها البشرية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. حفظ الله هذا الوطن آمنا عزيزاً وحفظ القيادة الرشيدة ينبوعاً للحكمة وسداد التفكير.
المستشار الدكتور/فاروق محمود حمادة
*المستشار الديني بديوان ولي عهد أبوظبي.