فيروس كورونا الجديد بدأ يخيفني – ليس المرض في حد ذاته وإنما الطريقة الخاطئة التي قد يرد بها عليه عالمنا الخائف.
أجل، يبدو أن فيروس كورونا ينتشر بسرعة في بؤرة الوباء بمحافظة هوباي الصينية، ولكن بعد بداية متأخرة أخذت الحكومة الصينية، الآن، تفرض إجراءات غير مسبوقة من أجل احتوائه.
حتى الآن، لا يبدو فيروس كورونا أكثر إثارة للخوف من تفشي فيروسات أخرى مؤخراً مثل «سارس» في 2003 أو «ميرس» في 2012، واللذين قتل كل واحد منهما أقل من ألف شخص حول العالم. فحصيلة القتلى التي تسبب فيها الفيروس الجديد بلغت 361، وعلى سبيل المقارنة، فإن حوالي 15 مليون أميركي أصيبوا بالإنفلونزا الموسمية حتى الآن في موسم الإنفلونزا 2019-2020، وفق مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، و8 آلاف و200 شخص ماتوا بسببه (الإنفلونزا تقتل بين 300 ألف و650 ألف شخص حول العالم سنوياً).
بل إن ما يقلقني أكثر من المرض الجديد هو أن يتحول الخوف من مرض جديد غامض ومرعب إلى هلع، وأن يستخدم ذلك لتبرير فرض قيود شديدة غير ضرورية على الحركة والحريات المدنية، وخاصة تلك المتعلقة بالأقليات العرقية والدينية حول العالم.
كما أشعر بالقلق من أن يؤدي عالم الإنترنت إلى مشاعر تشكك خطيرة، ومن أنه في حال وباء حقيقي قد يؤخّر عدد كبير من الناس العلاج، أو يرفضون تلقي التطعيمات لأنهم لا يؤمنون بالعلم أو لا يثقون في الحكومة.
وفي هذا السياق ذاته، كتبت «هيدي لارسون»، مديرة «مشروع ثقة التطعيم»، في مقال نشر بدورية «نيتشر» في 2018، محذرة: «أتوقع أن حالة التفشي الكبير المقبلة – سواء لسلالة قاتلة من الإنفلونزا أو شيء آخر – لن تحدث بسبب انعدام تكنولوجيات وقائية»، مضيفة: «وبدلاً من ذلك، يمكن أن تؤدي عدوى المشاعر إلى إضعاف الثقة في التطعيمات لدرجة جعلها غير ذات أهمية». وأضافت أيضاً أن وسائل التواصل الاجتماعي «ينبغي أن تُعتبر تهديداً عالمياً للصحة العامة».
عمالقة التكنولوجيا سارعوا إلى الحد من نظريات المؤامرة بشأن فيروس ووهان، ولكنني قلق من أن جهودهم لن تكون ناجحة جداً، لأنه يبدو أن المجتمع ليس لديه جواب جيد على «عدوى المشاعر» التي تتحدث عنها «لارسون». فالأمر لا يقتصر فقط على حقيقة أن كثيراً من الناس يحصلون على الأخبار من وسيلة مكتظة بالإشاعات والمبالغات والمعلومات المغلوطة، ولاسيما بخصوص مواضيع تتعلق بالصحة أو العلم – لاحظ عناد منكري تغير المناخ. فهناك أيضاً انقسام متزايد بين الحزبين بشأن كيفية تفسير الأميركيين للخبرة العلمية والسياسة الصحية، وهو ما يترك القرارات بشأن الصحة العامة عرضة للجدال الحزبي الذي تشاهده على نشرات الأخبار كل مساء.
كما أنني قلق بشأن الوضع الجيوسياسي شديد الحساسية. فمن دونالد ترامب إلى شي جينبينغ إلى بوريس جونسون، يدير رجال أقوياء العديد من أقوى الحكومات في العالم. وحري بنا هنا أن نتذكر أن المرض، أو الخوف من المرض، يمكن أن يُخرج أسوأ ما في البشر – فانتشار الأوبئة كثيراً ما يتغذى على إلقاء اللوم على آخرين (اليهود حُملوا المسؤولية عن انتشار «الموت الأسود»)، ما يخلق أرضية خصبة للشعبويين. وعندما تضع كل هذه العوامل معاً، تصبح لديك وصفة خطيرة لقمع عالمي.
الرد على فيروس كورونا الجديد يبدو أن ما يحرّكه هو الاعتبارات السياسية أكثر من الاعتبارات الصحية. وهنا تبرز تساؤلات حول جدوى، فقد حظر السفر في المناطق التي ظهر فيها المرض، وهو ما يقول الخبراء إنه حجر صحي ذو حجم ونطاق غير مسبوقين، غير أنه قد يتبين أنه غير فعال جداً. إذ يقول خبراء إن عمليات الحجر الصحي تكون فعالة خلال المراحل المبكرة من انتشار الوباء، ولكنها يمكن أن تجلب أيضاً نتائج عكسية، فتتسبب في نقص المواد الطبية، وتآكل الثقة في المسؤولين الصحيين، ودفع بعض الأشخاص لمحاولة تفادي الرعاية والفرار من أي قيود على حقوقهم.
ولهذا، ينبغي أن نتوخى الحذر في حال شرع سياسيون أميركيون في الدفع في اتجاه فرض حظر على السفر، وعمليات حجر صحي متطرفة ومبالغ فيها، وغيرها من التدابير التي قد لا يدعمها العلم.
قد تتساءل: ما الضرر في ذلك؟ -- فإذا احتاجت الحكومة للحد من حركات الناس بشكل مؤقت أو منع بعض الناس من دخول البلاد، ألا يجدر بها اتخاذ هذه الإجراءات إزاء مرض فتاك؟ ربما، ولكن نظراً لتاريخ الحجر الصحي الذي شهد تحولات كثيرة -- عبر التاريخ، استُخدمت هذه العمليات لقمع المهمشين – ينبغي على المشرّعين والإعلام أن يدرسوا أسباب أي من هذه القيود بشكل جدي وصارم. وينبغي على الخصوص أن نتحقق من أن أي قيود تفرض هي بالفعل مؤقتة وتستند إلى العلم.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2020/01/29/opinion/coronavirus-panic.html