في الوقت الذي احتشد فيه أنصار «بريكست» السعداء للاحتفال بمغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي، تتمسك أسكتلندا بقوة بموقفها، باعتبارها آخر معقل للمقاومة السياسية. فقد أعلنت نيكولا ستورجين رئيسة وزراء أسكتلندا، أن حكومتها في أدنبره تبحث كل الخيارات لإجراء استفتاء على الاستقلال، وهو ما ترفض حكومة المملكة المتحدة إجازته. ومن هذه الخيارات، استشارة القضاء عن مدى حق البرلمان الأسكتلندي بالفعل في عقد استفتاء استشاري. لكن ستورجين، زعيمة الحزب القومي الأسكتلندي، أشارت إلى أن الاضطرابات في كتالونيا التي أجرت تصويتاً غير مشروع بشأن الانفصال عن إسبانيا عام 2017، توضح ضرورة حصول أسكتلندا على تصويت، بشأن الاستقلال، لا شبهة فيه من الناحية القانونية. وحتى يتوافر هذا، ستركز ستورجين على حشد الدعم للاستقلال.
وأعلنت ستورجين في كلمة يوم الجمعة، أن «ادعاء أن هناك طرقاً قصيرة أو حيلاً ماهرة يمكنها التغلب بطريقة سحرية على العقبات التي نواجهها، سيكون مضراً بقضية الاستقلال». وأضافت أن الطرق إلى الاستفتاء «تخضع دائماً للمراجعة». وعلم الاتحاد الأوروبي الأزرق بنجومه الصفراء، سيظل يرفرف على مدخل البرلمان الأسكتلندي في أدنبره. والمجلس التشريعي الذي يهيمن عليه الحزب القومي الأسكتلندي المؤيد للاستقلال صوت مرة أخرى في الأيام القليلة الماضية، بالموافقة على محاولة إجراء تصويت على الانفصال عن باقي المملكة المتحدة والانضمام، في نهاية المطاف، إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.
وتصف ستورجين «بريكست» بأنه «إهانة للديمقراطية» لأن أسكتلندا صوّتت بأغلبية كاسحة للبقاء في الاتحاد الأوروبي عام 2016. ومع ترك البلاد رسمياً التكتل يوم الجمعة، أكدت ستورجين تعهدها بأنها ستعطي الأسكتلنديين فرصة اختيار مستقبلهم. لكن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يرفض منحها السلطة التي تتطلبها لإجراء تصويت قانوني على الاستقلال. وأعلنت ستورجين قائلة إن «بركسيت وضع أسكتلندا على الطريق الخطأ. وكلما مضينا قدماً على هذا الطريق، أصبحت العودة إلى الطريق الصحيح أصعب واستغرقت وقتاً أطول».
وإحدى الأفكار الأساسية في «بريكست» تمثلت في المأزق الشديد بين أكبر جزأين مكونين للمملكة المتحدة التي عمرها ثلاثة عقود. فبعد أن صوت الأسكتلنديون بالموافقة على البقاء في المملكة المتحدة، قررت المملكة المتحدة ككل، بعد أقل من عامين، مغادرة الاتحاد الأوروبي، ومنذئذ والانقسام السياسي أصبح أكثر قوة. وتضغط «ستروجين» على المملكة المتحدة لتسمح بإجراء تصويت على الاستقلال هذا العام. ويرجح أن تخوض الانتخابات البرلمانية الأسكتلندية عام 2021 بهدف تعزيز التفويض المخول لها.
وقبل أيام، أعلنت الحكومة الأسكتلندية أن اثنين من مبانيها الرئيسية، في أدنبره وجلاسجو، سيضاءان باللونين الأزرق والأصفر في علم الاتحاد الأوروبي يوم 31 يناير الماضي، أي في الموعد الرسمي للانفصال. وكان 55% من الأسكتلنديين قد وافقوا على البقاء في التكتل مع إنجلترا وويلز، وكان هذا يرجع في جانب منه إلى أن المملكة المتحدة كانت جزءاً من الاتحاد الأوروبي، بينما عارض البقاء في المملكة 45%. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن أسكتلندا مازالت منقسمة، وأن أي تصويت جديد يصعب التنبؤ بنتيجته. وتوصل مسح لمنظمة «يوجوف» أجري على 1039 من الناخبين الذين تزيد أعمارهم على 16 عاماً- نُشر في الأيام القليلة الماضية- إلى أن ما بين 51% إلى 49% يؤيدون الاستقلال.
وترى ستروجين أن بريكست يعني أنه يجب السماح لأسكتلندا بالتصويت مرة أخرى. وفي انتخابات الشهر الماضي التي أهدت السلطة لجونسون كي يمضي قدماً في عملية بريكست، فاز الحزب القومي الأسكتلندي في 48 من 59 مقاطعة في أسكتلندا، بناءً على برنامج يعد باتخاذ قرار جديد بشأن الاستقلال. لكن موافقة البرلمان الأسكتلندي يوم الأربعاء على إجراء استفتاء آخر، لم يستغرق رفضه أكثر من ساعة من وزير الدولة البريطاني لشؤون أسكتلندا ألستر جاك.
وهذا يترك «ستورجين» في غمرة خلافات وتوترات بين أسكتلندا وإنجلترا اللتين شكلتا بريطانيا العظمى عام 1707، ومن المحتمل أن تتفاقم الأمور. ويسعى «جونسون» إلى التوصل إلى اتفاق تجارة بسرعة مع الاتحاد الأوروبي و«ستورجين» تخوض انتخابات البرلمان الأسكتلندي العام المقبل، وتعتزم طرح قضية الاستقلال الكامل على الشعب من جديد. وهناك أيضاً نزاع متصاعد بشأن الهجرة ومستقبل الأجانب المقيمين في المملكة المتحدة. ووضعت الحكومة التي مقرها أدنبره في الأيام القليلة الماضية، خططا لتأشيرة دخول أسكتلندية يراد بها تشجيع الأشخاص على الانتقال إلى أسكتلندا التي تعاني من عجز في الأيدي العاملة.
ولكن إدارة ستورجين شبه المستقلة، ليست مسؤولة عن سياسة الهجرة الأسكتلندية والمقترح رفضته مباشرة حكومة المملكة المتحدة. وذكرت فيونا هيسلوب، العضو في الحزب القومي الأسكتلندي، أن «هذا هو العنصر البشري لبريكست» وأشارت إلى أن الاقتصاد الأسكتلندي ساهم بتواجد نحو 300 ألف من مواطني الاتحاد الأوروبي في أسكتلندا. أضافت هيسلوب أن ترك علم الاتحاد الأوروبي خارج البرلمان، هو إشارة مهمة على الترحيب بهم وتقدير عملهم في أسكتلندا.

ألستير ريد*
صحفي بريطاني
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»