تصنيف US News and World وجامعة بنسلفانيا الأميركية للإمارات في المرتبة الأولى عربياً لسنة 2019، اعتماداً على معايير الانفتاح الثقافي والتنوع ومناخ الأعمال وجودة الحياة والتاريخ والمواطنة، يثبت أن هناك معايير انتهجتها الإمارات في سياساتها، والتي جعلتها تحتل هذه المرتبة.
أهم ما اتبعته الإمارات في مسيرتها التنموية الناجحة أنه على الرغم من كونها دولة حليفة للدول الغربية، فإن قادة الدولة وساستها ومفكريها يشددون على نقطة مهمة، ألا وهي الحوكمة المستقلة، أو السياسات المستقلة التي أنقذتها من اضطرابات المنطقة، وقد أكد على ذلك معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، في تغريدته: «المنطقة بلاشك في حاجة إلى مقاربة خاصة بها، حوكمة مستقلة تؤطر الحكم الرشيد باستقلالية عن القوالب الغربية».
مع أن الغرب يحاول فرض سيطرته من خلال الدراسات والسياسات للمنطقة، إلا أنه لا ينكر إعجابه عندما تكون لدى الدولة حوكمة مستقلة، خاصة إذا كانت ناجحة تنموياً ودبلوماسياً، وقد اتضح ذلك في مقالة روبرت وورث Robert Worth بصحيفة «نيويورك تايمز» بتاريخ 9 يناير 2020، التي وصف بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أنه «واحد من أقوى الرجال على الأرض».
فقد ذكر الكاتب أنه «منذ تأسيس دولة الإمارات عام 1971، ظلت في الغالب بعيدة عن العديد من الصراعات في العالم العربي، لكن بعد انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بالعديد من الأنظمة العربية ومُلِئَ الفراغ بالإسلاميين السياسيين، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، أصبح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد أكثر انخراطاً في المنطقة وبدأ في وضع خطة طموحة لإعادة تشكيل مستقبل المنطقة. فكان أول ما قام به هو إعادة تشكيل تحالفات المنطقة والتي بدأها مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي».
أيضاً أشار الكاتب إلى أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد لا يرى فرقاً بين أيديولوجيات جماعات الإسلام السياسي والجماعات القتالية المتطرفة، حيث إنها تشترك جميعاً في الهدف نفسه وهو إقامة الخلافة بدلاً من الدستور، لكنه أعطى المنصة لعلماء دين غير مؤدلجين مثل الشيخ عبد الله بن بيّه. وقد حذر مراراً باراك أوباما من دعم الإسلاميين السياسيين، ووفقاً لذلك، رفض النموذج غير الليبرالي في تركيا وفضّل النموذج الليبرالي التنموي الذي اتبعه «لي كوان يو» في سنغافورة. كما ذكر الكاتب أن «التجمعات التي تُقام في مجلس صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد تعطي الفرصة بالتحاور مع مختلف الطبقات من رجال الأعمال وقادة القبائل والدوائر الانتخابية، لذلك نجد الكثير من الإماراتيين يرددون أن هذه هي الديمقراطية الخاصة بهم».
وقد شدد سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في مقاله: «صوت من القرن التاسع عشر في القرن الحادي والعشرين» على ضرورة الحوكمة المستقلة في مراكز الفكر والدراسات الاستراتيجية، لأن الكثير من العاملين في مؤسسات الفكر الأجنبية تعيش بعقلية أنها أدرى بالمنطقة من أبنائها مثلما كان في القرن التاسع عشر، وأيضاً ممكن أن يكون تضارباً في المصالح في هذه المؤسسات، فالذي يمثل تهديداً لهم ممكن يكون فرصاً مثمرة للمنطقة.
ومع أن هناك وعياً في المنطقة بضرورة الحوكمة المستقلة، ولولا ذلك لما صُنِفّت الإمارات الأولى عربياً لسنة 2019 في مجالات التنمية المختلفة، لكن لابد من منهج واضح يشمل مختلف المجالات السياسية والديبلوماسية والفكرية. أيضاً يجب متابعة وتحليل الدراسات عن المنطقة، التي تقام في مؤسسات الفكر الأجنبية، لأن الكثير منها تتحول إلى سياسات قد لا تكون في مصلحة المنطقة.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي