ترى مجمل النقاشات النقدية لخطة السلام الأميركية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التي أعلنها الرئيس الأميركي ترامب قبل أيام، أن الخطة تجاهلت الطرف الفلسطيني كشريك أساسي، له حقوقه ومطالبه المشروعة التي تعترف بها قرارات الأمم المتحدة. ولا ينبغي إنكار أو تجاهل أن هناك ثوابت معترفاً بها من قبل قرارات الشرعية الدولية، تنص على حق تقرير الفلسطينيين لمصيرهم وإقامة دولتهم، وإنهاء معاناة اللاجئين في الشتات بإقرار حق العودة، إلى جانب ما أقرته المبادرات والتحركات الدولية السابقة التي تتبنى «حل الدولتين». كما أن أية خطة للسلام لابد أن تكون معنية بطرفين، ولن تنجح إلا عندما يقبل كل منهما، عن رضا واقتناع، بما يترتب عليها من مكاسب وتنازلات متبادلة. في حين قدم ترامب خطة سلام مرضياً عنها إسرائيلياً، دون وضع اعتبار للجانب الفلسطيني، كطرف أصيل في أي عملية تفوض أو اتفاق.
وبعيداً عن دلالات توقيت الإعلان عن الخطة، وما يتعلق بالأغراض الدعائية الانتخابية، التي يأمل ترامب ونتنياهو جنيها من وراء الحدث.. فهناك شبه إجماع دولي على ضرورة أن تلبي أية مقترحات، بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط، إنهاء معاناة الفلسطينيين. بحيث لا يتم تحميل الجانب الفلسطيني فوق طاقته، أو الضغط عليه للقبول بخطة لا تحقق العدالة المطلوبة التي ينتظرها منذ عقود.
لكن من ناحية أخرى ينبغي التفكير بحكمة، بحيث يتم استغلال أي مدخل يعيد فتح ملف القضية الفلسطينية، ويضع مقترحات لحلها وعدم تركها عالقة. لأن تعليق الحل يجلب المزيد من الضرر للفلسطينيين ويزيد من معاناتهم التي طالت كثيراً، إضافة إلى أن فرص الحلول التي تطرح تتناقص مع الوقت، ويصبح الحصول على ما هو ممكن اليوم غير متاح بسهولة في المستقبل.
في هذا السياق لا يمكن تجاهل حجم وأثر التعقيدات العالمية، وظهور أولويات متجددة في خريطة اهتمامات المجتمع الدولي، وذلك يؤدي إلى خفوت الأضواء التي كانت مركزة من قبل على صراع الشرق الأوسط. فترامب لم يفتح ملف السلام إلا لأسباب انتخابية، ورغم أن خطته غير مقبولة فلسطينياً، فإنها تضع القضية من جديد على الطاولة.
حساسية هذه القضية تدعونا كذلك إلى الوضع في الاعتبار أن سبعة ملايين فلسطيني يعانون في الداخل الكثير من الإشكالات الاقتصادية والأمنية، في ظل زحف المستوطنات، وما يترتب عليها من تآكل مساحة الضفة الغربية، وهناك سبعية ملايين آخرين في دول الشتات لديهم معاناتهم. مما يضغط إنسانياً باتجاه أن يضمن حل الصراع عدم ترحيل الأشكال المختلفة من المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في الداخل والخارج معاً.
وإذا كانت خطة ترامب الجديدة قد أعادت فتح ملف القضية الفلسطينية ورفعت أسهمها في الإعلام والاهتمام الدولي مرة أخرى، فمن المفترض أن يتم استثمار عودة الأضواء إلى القضية، بهدف فتح باب التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين من جديد. وإذا ما تحقق ذلك فستكون هذه هي الثمرة الأساسية للمبادرة الأميركية، التي جرى الإعلان عنها في غياب الجانب الفلسطيني ورفضه لها في يوم إعلانها.
بقي أن نشير إلى أن الموقف الإماراتي كان، ولا يزال، حكيماً وواقعياً تجاه التفاعلات الجديدة التي صاحبت وأعقبت إعلان خطة السلام الأميركية. فالإمارات من خلال مواقفها الثابتة خلال العقود الماضية، أكدت حرصها الدائم على ترسيخ السلام العادل الذي يرضي جميع الأطراف، بمراعاة المواثيق الدولية، وتبني الدعوة إلى التقاط الفرص التي تفتح آفاقاً للحوار والتفاوض. وهذا ما أكد عليه مضمون بيان سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، الذي اعتبر أن خطة السلام الأميركية المطروحة «تشكل مبادرة جادة تتناول العديد من القضايا التي أثيرت على مر السنين» وأن «الطريقة الوحيدة لضمان حل دائم هي التوصل إلى اتفاق بين جميع الأطراف المعنية. الإمارات تؤمن أنه يمكن للفلسطينيين والإسرائيليين تحقيق سلام دائم وتعايش حقيقي بدعم من المجتمع الدولي».
ومن الناحية العملية، يمكن اعتبار أن الرفض الفلسطيني لخطة السلام الأميركية، يحيلها بصورة تلقائية إلى خانة التفاوض المؤجل، ليبقى الأهم أن ثمة حجراً أُلقي في برْكة الجمود الذي واجهته عملية السلام منذ سنوات.


*كاتب إماراتي