يتمتع المسجد بمكانة عظيمة في الإسلام، ومن الناحية التاريخية لم يقتصر دور المساجد على كونها دوراً للعبادة، بل تعدى ذلك ليشمل الكثير من الأدوار الأخرى، فالمسجد في عهد النبي صلي الله عليه وسلم، وكذلك في عهد الخلفاء الراشدين، وفي كثير من فترات التاريخ الإسلامي اللاحقة، كان مقراً للاجتماعات وساحة يتم فيها التشاور وتبادل الآراء فيما يخص أمور المسلمين وقضاياهم المختلفة، وثمة أحداث كبيرة ومحورية في التاريخ الإسلامي مرتبطة بمساجد معينة، وهذه المساجد تتمتع بدلالة رمزية كبيرة لدى المسلمين.
وتدرك دولة الإمارات العربية المتحدة الأهمية الكبيرة للمساجد، وتحظى المساجد باهتمام كبير من قبل القيادة الرشيدة التي جعلت عمارة المساجد أولوية جوهرية لها، ويؤكد الانتشار الكبير للمساجد في إمارات الدولة كافة هذا الحرص الكبير من قبل قيادتنا الرشيدة على التوسع في عملية بناء المساجد وتوفير أكبر عدد منها، لتكفي، بل وتزيد عن الحاجة. ويشير الموقع الإلكتروني للهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف إلى أن عدد المساجد بالدولة في أكتوبر 2017 وصل إلى نحو 4915 مسجداً، وبحسب الإحصائيات المنشورة من قبل الهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء في عام 2017، فإن عدد المساجد في أبوظبي 2212 موزعة في مناطق ومدن الإمارة المختلفة، وجاء في تقرير مركز دبي للإحصاء، أن إجمالي عدد المساجد والمصليات في الإمارة بلغ 2098 مسجداً في عام 2018، غير شاملة مصليات العيد.
وتحرص دولة الإمارات بشكل متواصل على تطوير المساجد وتفعيل دَورها وبناء المزيد منها لاستيعاب الزيادة الحاصلة في عدد السكان، ويتخذ تطوير المساجد وتفعيل دورها أشكالاً مختلفة، وفي هذا السياق، افتتح سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، خلال الأسبوع الماضي، مركز الزوار وسوق الجامع في مركز جامع الشيخ زايد الكبير. كما افتتح سموه معرض «النقود الإسلامية.. تاريخ يُكشَف»، وذلك في مركز جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي، تحت رعاية سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية (أم الإمارات). وأكد سموه أن إنشاء المركز والسوق يسهم بفاعلية في ترسيخ المكانة المرموقة لدولة الإمارات على الخريطة الثقافية والسياحية عالمياً، وإبراز دورها الحضاري الرائد في نشر قيم التعايش السلمي والحوار الإنساني بين مختلف الثقافات، وفاءً للنهج الذي رسم ملامحه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ودعمته القيادة الرشيدة، من أجل تعزيز مبادئ التسامح والوسطية والاعتدال.
وتقوم الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بدور كبير في رعايتها المساجد، وهي تمتلك نظاماً إلكترونياً لإدارة وتتبع الخدمات المتعلقة بالمساجد، هو «النظام الإلكتروني لدعم المساجد». وفي بداية عام 2017 طرحت إدارة المساجد بالهيئة مشروعاً جديداً تحت اسم «إمام الجامع»، بهدف المساهمة في تسهيل عمليات ضبط وإدارة الأنشطة المتعلقة بالمساجد. وتقوم فكرة إمام الجامع على ضم المساجد التابعة لكل فرع ضمن مجموعات في مناطق مختارة، بحيث يتم اختيار إمام من المسجد الرئيسي، بصفته إمام الجامع، للقيام بمهام الإشراف على المساجد المتضمَّنة في مجموعته.
والحاصل أن المساجد في دولة الإمارات هي منارات ثقافية، ففضلاً عن دورها الديني، فهي تؤدي رسالة حضارية تدعو إلى التعايش والتسامح والانفتاح على الآخرين، وخاصة بعدما تحول عدد كبير منها إلى معالم سياحية يقصدها الزوار من جميع دول العالم ومن مختلف الديانات والمذاهب والأعراق. وتمثل خطب الجمعة الموحَّدة أداةً مهمة لضبط الخطاب الديني وتجديده، وهذا التجديد بات قضية مصيرية، في ظل محاولة تيارات كثيرة احتكار هذا الخطاب، وتصدير صورة بعيدة عن جوهر الدين الإسلامي السمح، وما يحمله من قيم مركزية خاصة بترسيخ التسامح والتعايش السلمي.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.