العاصمة الهندية دلهي لديها نظام حكم فريد من نوعه، إذ إن لديها «جمعيتها» الخاصة بها البالغ عدد أعضائها 70، ولكنها تُعتبر في الوقت نفسه مقر السلطة الفيدرالية. ورغم أن الولاية تخض لحكم حكومة ولاية منتخَبة منفصلة، إلا أن الحكومة الفيدرالية تملك سلطة كاملة على الشرطة والأمور المتعلقة بالأرض. وتُعد المدينة، التي يفوق عدد سكانها 18 مليون نسمة، بوتقة انصهار لسكان ينحدرون من مناطق مختلفة من البلاد هاجروا إليها بحثاً عن حياة وفرص أفضل مثلما هو الحال في أي عاصمة أخرى في العالم.
انتخابات «الجمعية» من المقرر أن تجرى الأسبوع المقبل. ونتيجتها ستشكّل مؤشراً على التداعيات السياسية الممكنة لقرار الحزب الحاكم سنّ قانون جنسية مثير للجدل أدى إلى احتجاجات عبر البلاد، وخاصة في دلهي، ذلك أن القانون يَعد بمنح الجنسية للمهاجرين غير المسلمين من باكستان وأفغانستان وبنجلاديش، وقد انتُقد لأنه يتعارض مع روح الدستور الهندي العلماني. وهو ما يعد بمعركة انتخابية محتدمة هنا.
المعركة الرئيسة تجمع حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم، وحزب «عام آدمي»، وهو حزب يبلغ عمره ثماني سنوات فقط أُسس عقب حملة لمحاربة الفساد، ويضم أشخاصاً من مختلف مناحي الحياة، وذلك بهدف إحداث فرق في المشهد السياسي. هذا الحزب الذي أُسس حديثاً كان قد فاز في انتخابات ولاية دلهي وحقق فوزا كبيرا في أول مشاركة له في الانتخابات، حيث حاز على 67 من أصل 70 مقعدا في «جمعية دلهي» قبل خمس سنوات. ولهذا، فإن سعي الحزب لأن يصبح حزباً وطنياً، وليس جهوياً فقط، يعتمد على ما إن كان يستطيع تعزيز موقعه في انتخابات دلهي.
غير أن هذه الانتخابات الخاصة بجمعية ولاية دلهي تبدو معقدة. فإذا كانت الانتخابات في كل الولايات الهندية الأخرى تتمحور حول مواضيع محلية وحول شعبية المرشحين، ففي دلهي لا يمكن صرف النظر عن سياسات الحكومة الفيدرالية كليا لأنها تمثّل أيضا العاصمة الفدرالية للهند.
في المرة الأخيرة فاز حزب «بهاراتيا جاناتا» بثلاثة مقاعد فقط، أما هذه المرة فإنه يتوق لتحقيق فوز عقب خسارتين متتاليتين في انتخابات الولاية في ولايتي «جهار خاند» و«مهاراشترا»، وهو ما قلّص هيمنته السياسية على الأقل على مستوى الولايات. وفي دلهي، وأماكن أخرى، يراهن الحزب على شعبية رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» الذي يتبوأ مكاناً بارزاً في كل مواد حملته.
وهكذا، يحاول حزب «بهاراتيا جاناتا»، الموجود في السلطة الفيدرالية، الصمود رغم خسائره السياسية الأخيرة. أما في ما يخص حزب «المؤتمر»، فإنه كان قوة مهيمنة في المدينة في يوم من الأيام، ولكن جاذبيته للناخبين اليوم تقلصت، رغم أن لديه القدرة الكاملة على تقسيم الأصوات عبر استهداف الكتلة الناخبة من المناطق الأكثر فقراً.
وتُعد «جمعية دلهي» واحدة من أصغر الجمعيات في الهند. غير أن فوزا في دلهي ينظر إليه دائما على أنه معركة اعتبار ومكانة. ولئن كانت تأثيرها على السياسة الوطنية محدوداً، إلا أنها ستحدد على الأرجح الطريقة التي سيتحرك بها حزب مودي «بهاراتيا جاناتا» مستقبلاً. فإذا فاز، فإن ذلك سيمنحه دفعة إضافية لمواصلة تنفيذ أجندته الإيديولوجية رغم المقاومة الشديدة من قطاع كبير من الجماهير. أما إذا خسر، فإن خسارته لن تعني خسارة ولاية أخرى فقط بالنسبة للحزب، وإنما سيكون لها تأثير أكبر على سرديته بخصوص قانون الجنسية، ولكن أيضاً على حزب «عام آدمي» الذي ليس لديه حضور في أي ولاية أخرى.
فبالنسبة لحزب «عام آدمي»، تُعد هذه الانتخابات أساسية من أجل البقاء على قيد الحياة سياسياً وذا أهمية في المشهد السياسي الهندي. والواقع أن لدى الحزب سجلاً باهراً في السلطة، وإنجازاته في مجالات مثل التعليم والصحة خلال الخمس سنوات الماضية كانت لافتة. ففي التعليم، حسّن الحزب البنية التحتية حتى في المدارس الحكومية الأكثر معاناة من الإهمال، وأرسل معلمين للتدريب في أفضل المدارس في سنغافورة. وخلال سنواته الخمس الأخيرة في الحكم، لم يكتف بإنشاء مستشفيات في المدن والبلدات الصغيرة لتوفير الرعاية الطبية المجانية، ولكنه عمل بجد أيضا على النهوض بالنية التحتية في نيودلهي، بما في ذلك مكافحة التلوث الخطير الذي يغشى سماء المدينة، وخاصة خلال فصل الشتاء كل سنة.
غير أنه هذه المرة، تحاول كل الأحزاب السياسية المتنافسة استمالة الناخبين عبر منحهم أشياء بالمجان مثل وعود بدعم أسعار الماء والكهرباء وتوفير وسائل نقل عام بالمجان بالنسبة للنساء والطلبة، إلخ. وإذا كان حزب «عام آدمي» قد أفرج عن «بطاقة ضمان» واعداً بمخططات، فإن حزب «بهاراتيا جاناتا» أعلن، عبر سياسة فيدرالية، عن تسوية أوضاع كل المستوطنات غير القانونية للسماح بأصحاب المنازل بالحصول على حقوق الملكية.
ومن جانبه، يَعد حزب «المؤتمر» بعدد من الأشياء المجانية، ليس للطبقات الفقيرة في المجتمع فقط وإنما للتجار أيضا. ورغم كل هذا، فإن التركيز في انتخابات ولاية دلهي يظل مُنصباً على «قانون تعديل الجنسية» و«السجل الوطني للجنسية» اللذين أُدخلا حديثاً. ولا شك أن فوزاً لحزب «بهاراتيا جاناتا» سيعني بالنسبة لأنصاره موافقة الكتلة الناخبة في دلهي على قرارات الحكومة الفيدرالية الأخيرة المثيرة للجدل.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي