كما كان مقرراً، فقد تركت بريطانيا الاتحاد الأوروبي في الساعة الحادية عشرة مساءً بتوقيت لندن أمس الجمعة، بعد فوز بوريس جونسون في الانتخابات العامة التي أجريت الشهر الماضي. لقد كُتبت مقالات كثيرة عن نتائج تلك الانتخابات، وخاصة كيف خسر حزب العمال أصوات الناخبين بشكل دراماتيكي. بيد أن بريكسيت يعني كذلك تحليلا لما بعد الحدث، ولماذا فشلت الجهود المبذولة لوقف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟
كان هناك بالفعل مساران يمكن من خلالهما وقف بريكسيت: إما أن يُصدر البرلمان تشريعاً لإجراء استفتاء حول خيار «البقاء» خلال مواجهة العام الماضي، أو من خلال انتخاب برلمان من شأنه القيام بذلك.. ولم ينجح أي من المسارين.
ولم يتمكن دعاة البقاء من إقناع عدد كاف من المشرعين بدعم إجراء استفتاء عام، وذلك في مناسبتين خسروا خلالهما الأصوات البرلمانية غير الملزمة بفارق ضئيل. وسيستمر النقاش إلى أجل غير مسمى حول ما إذا كان موقف حزب العمال الغامض من مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي يضر بالحزب نفسه، وإلى أي مدى؟ لكن من الواضح أنه يضر بفرص الاستفتاء أيضاً.
كما لم يتمكنوا أيضاً من إقناع الناخبين بانتخاب برلمان من شأنه إجراء استفتاء. وما يفسر هذا جزئياً هو حقيقة أن العديد من الناخبين الذين كانت تشتد الحاجة إلى دعمهم لم يكونوا مستعدين لتأييد جيرمي كوربين كرئيس وزراء محتمل.
أما الأحزاب الصغيرة المؤيدة لأوروبا، فكان من الممكن أن تحافظ على ميزان القوى بعد الانتخابات. ومع ذلك، فقد أثبتت الحقيقة أنها سلسلة من الحوادث المؤسفة والفرص الضائعة، من الإطلاق الفاشل للمجموعة المستقلة إلى تقلبات «الديمقراطيين الأحرار» وفشل الاثنين في العمل سوياً عندما يكون هذا التحالف في أقوى حالاته، وعدم نسيان مجموعة كبيرة من أحزاب «الوسط» المناهضة لبريكسيت.
لكن تلك الإخفاقات تتحدث عن شيء أكثر جوهرية، فلم يفز المؤيدون للبقاء في الاتحاد الأوروبي في النقاش، بل غالباً ما يتم تجاهل أن الرأي العام لم يتغير كثيراً من 52% إلى 48% عام 2016. وتشير نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه موقع «نامبر كرانشر» إلى أن البريطانيين كانوا لا يزالون منقسمين بالتساوي فيما يتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وقت إجراء الانتخابات، حيث قال 46% منهم إنه أمر خطأ، وقال 44% إنه صحيح، بينما أيد نحو 85% من الناخبين من الجانبين تصويتهم الأصلي.
ويفسر التغيير التكويني التحول في الأرقام الرئيسية، فهؤلاء الذين ماتوا منذ عام 2016 كانوا أكثر ميلا لتأييد مغادرة الاتحاد الأوروبي، في حين أن أولئك المؤهلين حديثاً للتصويت هم أكثر ميلا للبقاء.
وبالمثل، وبالرغم من طرح السؤال بأشكال عديدة مختلفة، أظهر عدد قليل من استطلاعات الرأي تأييداً أقل من المحدود للاستفتاء الثاني مع خيار البقاء.
ولعل ذلك يرسم صورة مختلفة تماماً عن الحماس المتدفق للاتحاد الأوروبي الذي ظهر في الآلاف من المسيرات والملايين الذين وقعوا على العرائض. وجزء من الاختلاف هو أن العديد من الذين صوتوا للبقاء في الاتحاد الأوروبي عام 2016، خاصة المحافظين من الناحية المالية والمؤيدين للوضع الراهن، كانوا سعداء للغاية بقبول حملة ديفيد كاميرون للبقاء، لكنهم لم يكونوا من العشاق الأقوياء لأوروبا وثقافتها.
مثلها مثل الأحزاب، كانت مجموعات الحملات المناهضة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عديدة، وكانت في بعض الحالات تعكس تقاطع بريكسيت مع الولاءات الحزبية التقليدية. كانت هناك بالطبع حالات أصبح فيها هذا مشكلة، بالنسبة لمعظم حملة الانتخابات العامة، إذ لم تتمكن المجموعات من الاتفاق حتى على نصيحة الاقتراع التكتيكي.
ثم كانت هناك شكوك حول الشرعية الديمقراطية، فقد جادل مؤيدو البقاء كثيراً بأن أي ديمقراطية يمكنها تغيير فكرها، كما فعلت العديد من الدول بعد أن فشلت استفتاءات حول الاتحاد الأوروبي في التصديق على إحداث تغيير كبير.
ومع ذلك، فإنني أكافح للتفكير في استفتاء مماثل أيد فيه الجمهور خيار التغيير، حيث يُطلب من الناخبين التصويت مرة أخرى دون تنفيذ التغيير. وفشلت محاولات بعض الناشطين لنزع الشرعية عن تصويت 2016، سواء أكان ذلك بناءً على مزاعم الإنفاق الزائد للحملة أم بسبب التدخل الأجنبي في إحداث تغيير.
ومن الأمور التي يجدر التفكير فيها إرث حملة البقاء لعام 2016، والدروس التي يجب أن نستفيد أو لا نستفيد منها. فالتنبؤات بحدوث ركود لمدة عام بعد الاستفتاء –والتي لم تتحقق إطلاقاً– جعلت من السهل نسبياً رفض جميع التحذيرات اللاحقة بشأن تكاليف بريكسيت باعتبارها «مخاوف من المشروع».
والأكثر من ذلك، أن الفجوة الثقافية الكامنة وراء الانقسام بشأن بريكسيت لم تختفِ. ففي حين أن العديد من مؤيدي البقاء في الاتحاد الأوروبي، خاصة أولئك الذين في اليسار الاقتصادي، حاولوا تفسير بريكسيت من خلال الاقتصاد، لم يكن هذا هو الدافع الرئيسي للتصويت على الخروج.
وأخيراً، هناك عامل السأم، فقد ضاق الكثيرون ذرعاً وأرادوا الخروج من مأزق بريكسيت.
*مات سينج
*مدير موقع «نامبر كرانشر بوليتيكس» لاستطلاعات الرأي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»