هل تعرضت لسؤال من طفلك يوما ما (كيف يبدو الله؟ وأين هو؟ وكيف وُلدت؟ لماذا أنا مختلف عن أختي؟ إلى آخر تلك الأسئلة الصعبة) فبماذا أجبت؟
تتعدد أنماط الآباء حين يجيبون عن هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة الفلسفية العميقة التي تنطقها فطرة الطفل، قبل أن أتطرق لتلك الأنماط دعوني أمُر على نقطة مهمة، وهي (فطرة السؤال) التي خُلق عليها الإنسان. الطفل عندما يبدأ الكلام يتطلع للعالم من خلال تلك الدلالات التي تتكون في وجدانه رويداً للكلمات التي يتعلمها من المحيط الذي يعيش فيه وحين تتشكل الدلالات في ذهنه يبدأ في طرح السؤال تلو الآخر في محاولة تحاكي محاولة الإنسان الأول في فهم الحياة، فلولا فلسفة السؤال ما وصلنا للعلم، والمعرفة، التكنولوجيا والحضارة الحديثة، لذلك حين نُغلق العقل بمحاذير الغيب والهروب من طَرْقِ أبواب المعرفة سنبقى في مكاننا والآخرون يتحركون، تلك كانت ببساطة وبدون تنظيرات أزمة تأخر المجتمعات العربية والإسلامية فحين غابت شمس السؤال غابت الحضارة.
حين يطرح الأبناء الأسئلة نشاهد عدة أنماط من الإجابات من الآباء:
النمط الأول يكون رده عنيفاً وقاسياً يدعوه للصمت، وأنه ليس من اللائق أن يسأل مثل تلك الأسئلة، إلخ وقد يتهور بعض الآباء إلى استخدام العنف البدني. ما هذه القسوة التي نُلقي فيها أبناءنا، نضعهم في دائرة التعنيف لمجرد طرحهم لسؤال أملته عليهم الفطرة، فيرتبط السؤال في ذهنية الطفل الناشئة بالعقاب، وربطنا ما بين السؤال وسوء السلوك منذ اللحظة الأولى التي يتفتح فيها ذهنه على الحياة.
النمط الثاني يلجأ بعض الآباء إلى عدم الإجابة بصورة صحيحة على الطفل والمحاورة والمداورة التي لا تعطي أي إجابة وتزيد الحيرة في نفس الطفل التي تدفعه للجوء إلى طرح تلك الأسئلة على منابع أخرى للإجابات قد يجد فيها إجابات تشكل وعيه في اتجاه خاطئ ونزرع في وجدانه بذرة المراوغة دون أن ندري لمجرد الهروب من سؤال كان يمكن أن نجيب عليه، لكنه ميراث الخوف الذي ترسخ في يقين الآباء منذ طفولتهم وينقلونه لأبنائهم.
النمط الثالث هو النمط الذي يدفع طفله للبحث وراء الإجابة، بل يشاركه البحث حتى لو كان يعلم الإجابة، فلا ينهره بل يأخذ بيديه نحو الإجابات المنطقية التي يتقبلها عقل الطفل، ويروي عطشه المعرفي وتُخلق فيه الرغبة في المزيد من الأسئلة التي مع كل سؤال جديد يطرحه الطفل يضع فيه حجراً جديداً في بناء معرفته، وهكذا يضع هذا النمط الأساس القوي لبناء الشخصية المعرفية للطفل، فيكبر وهو لا يخشى السؤال ولا الإجابات. تصبح المعرفة والبحث وراء الجديد والتطور طريقه نحو بناء مستقبله العلمي والعملي والفكري، فنكتسب عقلاً نقدياً واعياً يبني حضارة ولا يعيش على منتوجات الحضارات الأخرى التي صنعتها حرية السؤال.
حين ننادي بأن تكون الفلسفة جزءاً من العملية التعليمية في دولة الإمارات، فإننا لا نتحدث عن تاريخ الفلسفة ودراسة المدارس الفلسفية فقط بل الأهم هو بناء عقل ناقد يفكر بآلية فلسفية ناقدة تصنع فلسفتها الخاصة وعقول تبحث عن الأسئلة وحين تصل للإجابات تولد أسئلة أخرى فإجابات أخرى فرصيد معارف ينمو ويتطور، ويعتمد على مخرجات عقول أبنائنا وشبابنا لتكون لنا شخصيتنا الثقافية الحداثية، ولا نعتمد فقط على خصوصيتنا الثقافية الموروثة، بل ندمج ما بين الموروث والحداثي لتكون لنا شخصيتنا المتميزة، ولنا مدارسنا الفكرية والفلسفية التي تسير مع العالم نحو حضارة بشرية واحدة.
إن حركة التاريخ بطيئة، لكنها لا ترحم من تركها للآخرين وعاش على نتاج أفكارهم وترك عقله ليصدأ من الصمت والسكون والتسليم وعدم البحث وراء الأسئلة، وإدراك الإجابات وبنى رصيده من العلم والفكر والتكنولوجيا والإبداع فالمعرفة تبقى وتنمو وتقود الحضارة القادمة.
علموا أولادكم كيف يفكرون بصورة نقدية، ويحللون المعارف ويعيدون إنتاج الفكر من جديد، لا كيف يحفظون ويحفظون وينقلون ما يردده الآخرون حتى تتكلس عقولهم على ما حفظوه ورددوه وسلموا به كمعرفة مطلقة. علِموا أولادكم أن العالم يتغير ويتطور ونحن لابد أن نتغير ونتطور حتى تنمو وتكبر قيمتنا في صنع الحضارة البشرية الحديثة.