إذا كانت وسائل الإعلام قد ركزت على «المشاحنة» بين إليزابيث وارن وبيرني ساندرز، فإن شيئاً أكثر جدية حدث بين حملة ساندرز وجو بايدن. وحتى أكون صريحاً وأسمي الأشياء بأسمائها، فإن حملة ساندرز كذبت كذباً مكشوفاً حول أشياء قالها بايدن في 2018 عن «الضمان الاجتماعي»، ورفضت الاعتراف بخطئها.
وهذا شيء سيئ؛ بل يكاد يكون شبيهاً بسلوك ترامب. والحال أن آخر ما نحتاجه هو رئيس آخر يشيطن الأشخاص الذين يختلف معهم، ويقول عنهم الكذب ولا يستطيع الاعتراف أبداً بأنه على خطأ. إن بايدن يستحق اعتذاراً، الآن، وساندرز ربما في حاجة لمساعدين أحسن.
غير أنه بالمقابل – وهذا ليس مبرراً لمعسكر ساندرز – سيكون من الجيد أن نسمع من بايدن تفسيراً بشأن سبب مجاراته، في الماضي، للإجماع الذي كان سائداً في واشنطن على الحاجة لتقليص «الضمان الاجتماعي».
ولكن لنبدأ بمحاولة تشويه سمعة بايدن أولاً: ففي 2018، ألقى بايدن خطاباً هاجم فيه «بول ريان»، رئيس مجلس النواب آنذاك، لأنه يريد خفّض ضرائب الأغنياء وتمويل ذاك الخفض الضريبي عن طريق تقليص «الضمان الاجتماعي» و«ميديكير». خطاب بايدن لم يتضمن أي شيء يمكن أن يزعج التقدميين؛ غير أن أحد مستشاري ساندرز روّج، مؤخراً، لمقطع قصير من فيديو ذاك الخطاب، جعل بايدن يبدو كأنما يدعم موقف ريان ويدعو إلى تقليص «الضمان الاجتماعي». وبعد بضعة أيام على ذلك، نسبت نشرة إخبارية من حملة ساندرز، إلى بايدن كلاماً من دون سياق، وكررت نفس الادعاءات.
وإذا كنت تريد مثالاً، فإن ما حدث يشبه قولي: «إن بعض العنصريين البيض يقولون إن اليهود مسؤولون عن كل مشاكلنا»، فتقوم حملة سياسية بنشر بيان مفاده: «أن كروجمان يقول إن اليهود مسؤولون عن كل مشاكلنا».
والواقع أن بايدن ارتكب بالفعل زلة في هجومه المضاد، حيث أساء وصف مقطع الفيديو حين قال إنه «مفبرك»، ولكن ذلك لا يعني أنه لا يستحق اعتذاراً. غير أنه بدلاً من ذلك، أمعنت حملة ساندرز في الخطأ. وبدلاً من أن تعترف بتشويه سمعة أحد المنافسين، راحت تزعم أن لدى بايدن تاريخاً طويلاً في محاولة تقليص «الضمان الاجتماعي» (للأسف هناك بعض الحقيقة في هذا الادعاء، ولكن ذلك لا يبرر الكذبة الأولى ولا رفض الاعتراف بالخطأ).
أما بخصوص عنصر الحقيقة في انتقاد بايدن، ففي يوم من الأيام كان ثمة إجماع غريب بين الشخصيات الإعلامية والسياسيين الوسطيين على أن كلفة البرامج الاجتماعية، على المدى الطويل، هي أكبر مشكلة لدى أميركا، وأن «الضمان الاجتماعي» بشكل خاص في أزمة، وأنه لا بد من فعل شيء ما، وأن الحل يشمل خفضاً للمزايا.
هذا الإجماع لم يكن يستند إلى تفكير عميق ورصين؛ وإنما كان يتعلق بالموقف الذي كان متوقعاً من السياسيين إبداؤه. وكما كتبتُ في 2007، فإن القول بوجود أزمة لـ«الضمان الاجتماعي»، وإن الأزمة تتطلب تقليصاً للبرنامج كان ينظر إليه باعتباره «وسام جدية»، وطريقة ليظهر من خلالها المرء أنه رجل دولة مسؤول، ودليلاً على الواقعية.
المرشح الذي كنت أنتقد، بالمناسبة، كان سياسياً يُدعى باراك أوباما. ولكن لا شك أن بايدن انجر إلى ذاك الاعتقاد السائد أيضاً؛ وبالتالي، فربما ليس من الصعوبة إيجاد تصريحات قديمة له يقترح فيه تقليصاً لـ«الضمان الاجتماعي» باسم المسؤولية المالية.
ولكن ذلك كان وقتذاك. أما هذه الأيام، فإن «بايدن»، وعلى غرار الكثير من «الديمقراطيين»، يدعو إلى توسيع مزايا «الضمان الاجتماعي». صحيح أن هذا لا يجعل من تصريحاته السابقة غير ذات أهمية؛ إذ عليه أن يعترف بأنه غيّر رأيه، وتاريخه بخصوص هذا الموضوع هو أحد أسباب قلق التقدميين الذين يخشون أن يبدّد رأسماله السياسي، في حال انتخابه، في محاولات لا طائل منها، للتوصل لتوافق بين الحزبين.
غير أن لا شيء من هذا يبرّر كذب حملة ساندرز، بشأن التصريحات الأخيرة لرجل هناك احتمال قوي في أن يصبح المرشح الرئاسي للحزب «الديمقراطي» – رجل سيكون، أياً يكن تاريخه السياسي الوسطي، أكثر تقدمية من الساكن الحالي للبيت الأبيض. ثم إن محاولة تشويه سمعة بايدن، إنما تقوّي التخوفات التي لدى بعض منا بشأن ساندرز.
فقد كانت هناك دائماً جانب يثير التحفظ في بعض الدعم الذي يحظى به ساندرز، فصيل من الأنصار يندد بأي شخص يطرح أسئلة بخصوص مواقفه – حتى وارن! -- باعتباره عميلاً فاسداً للرأسمالية. غير أنه حتى الآن، يمكن للمرء أن يرد على ذلك بالقول إن ساندرز نفسه ليس مسؤولاً عن السلوك السيئ لبعض أنصاره.
ولكن المرء لا يستطيع الدفع بذلك الآن. ذلك أن محاولات تشويه السمعة بالباطل والإمعان في الخطأ يأتي من قمة حملة ساندرز؛ وحتى إن لم تصدر عن ساندرز بشكل مباشر، فإن ساندرز كان يستطيع وكان ينبغي عليه أن يوقفها. ثم إن حقيقة أن ساندرز لم يعتذر لبايدن ولم يغيّر الأشخاص المسؤولين عن ذلك، إنما يكشف أشياء غير مريحة عن شخصيته.
لا أريد أن أتحمس كثيراً في هذا الباب. غير أنه إذا كان ثمة شيء يذكّر بسلوك ترامب في بعض مما نراه من حملة ساندرز، فإن بيرني ساندرز ليس هو دونالد ترامب. ومثلما رأينا للتو، فهناك بعض المشاكل الحقيقية بخصوص الأشخاص المحيطين به، ولكن هؤلاء لا يشبهون عصابة ترامب البتة. وعملياً، يمكن القول إن رئاسة لساندرز، وعلى غرار رئاسة لبايدن، ستمثّل تحسناً كبيراً جداً، أخلاقياً وجوهرياً، مقارنةً مع ما لدينا الآن.
ولكن في الوقت الراهن يتصرف ساندرز وفريقه بشكل سيئ، وينبغي تنبيههم إلى ذلك.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2020/01/20/opinion/biden-sanders-social-security.html