يضيف الفيروس التاجي (كورونا) بعداً صعباً ومعقداً للاقتصاد والتجارة العالمية، ولا يعدّ صدمة أخرى غير متوقعة للنمو الصيني فحسب، بل وللأسواق العالمية ككل، وفي دراسة أجرتها لجنة المخاطر الصحية العالمية في عام 2016، فإن الأمراض الوبائية ستكلّف الاقتصاد العالمي أكثر من 6 تريليون دولار في القرن الحادي والعشرين، أي أكثر من 60 مليار دولار سنوياً، وفي دراسة أخرى أعدّها البنك الدولي، فإن انتشار الأوبئة والأمراض يكلّف الاقتصاد العالمي نحو 570 مليار دولار سنوياً، أو ما يعادل نحو 0.7% من حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وقد تراجع مؤشر شنغهاي بنحو 3% يوم الخميس الماضي، وسط مخاوف تتعلّق بالطلب من أحد كبار المستهلكين للخام بالعالم، وعلى مدار الأسبوع هبطت أسعار النفط بنحو 4%، ويقول تقرير نشرته محطة CNBC: إن المخاوف المتعلّقة بانتشار الفيروس لا يمتد أثرها على الأسواق فقط، بل على معنويات المستثمرين بالأساس، وهو ما قد يؤدي إلى توجههم نحو الأصول الآمنة، على غرار الذهب الذي يُنظر إليه كملاذ آمن للاحتياطي في أوقات الأزمات، كما ظهر الأثر الفوري لانتشار الفيروس في الصين، على صورة تراجع في الطلب على وقود الطائرات بنحو 200 ألف برميل، بسبب تراجع الطلب على السفر في أحد أهم المواسم السياحية في الصين وهو رأس السنة الصينية، ناهيك عن التكاليف الباهظة التي ستتحملها الحكومة الصينية للسيطرة على المرض، وإعادة الثقة في الداخل والخارج، أم أن سيناريو الفيروس وسرعة إيجاد لقاح له هو حرب من نوع آخر، وستخرج الصين منها رابحاً أكبر !
ومن جهة أخرى، تسابق الصين الزمن من أجل احتواء مرض فيروس (كورونا)، الذي انتشر في إقليم «ووهان»، وذلك عبر حزمة إجراءات تزداد اتساعاً كل ساعة، فبعد توقف الحركة كلياً في مهد المرض في مدينة «ووهان»، وإغلاق محطاتها للقطارات والمترو وحركة الحافلات والمطارات وإغلاق الطرق أمام حركة السيارات، فهل سيلقي الفيروس بظلاله على الفرص التوسعية لنمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم، على الرغم من إعلان بكين التوصل لدواء مضاد للفيروس ليكون متوفر بالمجان للمصابين؟
ومن جهته، يتوقع بنك سنغافورة أن يصل تأثير النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي في الصين إلى 0.5% أي نصف نسبة الـ 1% التي كانت عليها معدلات النمو، جراء «سارس» في عام 2003، كما ذكر بنك سنغافورة في تقرير بحثي، أن تفشّي الفيروس التاجي الذي أصاب أكثر من 1300 شخص، وخاصةً في الصين بأنه «من غير المحتمل أن يسبب ضرراً دائماً» للاقتصاد العالمي، كما يتوقع خبراء الصحة العالمية أن يستمر تفشي الفيروس لمدة تتراوح بين شهرين إلى أربعة أشهر، ولا أعتقد أن يعرقل الاستقرار العالمي المتوقع هذا العام، إذا لم يستمر فترة أطول من المتوقع، وذلك نظراً لانخفاض أسعار الفائدة والهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين، واحتمال وجود المزيد من الحوافز لدى الصين لمواجهة الضربة الاقتصادية لانتشار الفيروس الموجود حالياً في أربع قارات، وكانت الصين قد استغرقت ثلاثة أشهر تقريباً لإبلاغ منظمة الصحة العالمية، بعد تأكيد أول حالة إصابة بالسارس في 2003، بينما استغرقت هذه المرة أقل من شهر.
ومن الإجراءات المتسارعة للجانب الصيني، أن أعلنت مقاطعة «هوبي» عن بناء مستشفى لعلاج مرضاها، حيث تسارع السلطات لبناء مستشفى يضم 1000 سرير في 6 أيام، حيث هناك 658 مريضاً مصابين بالفيروس حتى الآن، وقد تم إغلاق جزء من سور الصين العظيم وديزني لاند في شنغهاي، كما تفيد التقارير بأن 13 مدينة موطناً لحوالي 40 مليون شخص قد اتبعت إجراءات مشددة لمنع انتشار الفيروس، على غرار ما يحدث في «ووهان».
ومن المعروف، أن فيروسات (كورونا) قادرة على القفز من فصيلة إلى أخرى من حين لآخر، وهذا ما حدث في حالة (السارس) والفيروس (كورونا) وفيروس (كورونا الجديد)، حيث يعتقد أن أصل الفيروس حيواني، وكانت أولى حالات الإصابة به في «ووهان» من أشخاص يزورون أو يعملون في سوق للحيوانات الحية في المدينة، والذي تم إغلاقه منذ ذلك الحين للتحقيق، وكان سوق الطعام الصيني في مركز تفشي الفيروس المميت يبيع الخفافيش إلى جانب الثعابين والتماسيح والكلاب، والخنازير والفئران وجرو الذئب وحيوان الكوالا والطاووس، والتي يستخدم بعضها ضمن وصفات الأطباق المحلية كحساء الخفافيش الشهير، وإن كان نائب وزير الصحة الصيني صرح، الأحد الماضي، بأنهم ليسوا متأكدين من مصدر الفيروس وكيفية انتقاله وانتشاره.