في قاعدة القرية الخضراء شرق سوريا، رفع الجنود الأميركيون وتيرة عمليات محاربة الإرهاب عقب توقف قصير، ولكن مستقبل المهمة الأميركية يظل غير أكيد، وسط تغير الديناميات في النزاع السوري وإمكانية تدخل رئاسي أميركي من جديد.
ويرى الجنرال «كينيث ماكينزي جونيور»، الذي يرأس القيادة المركزية الأميركية، خلال زيارة إلى عدد من القواعد العسكرية الأميركية الصغيرة في شرق سوريا: «إن الإيقاع أخذ يعود».
الجنود الأميركيون في سوريا، وعلى غرار الجنود الأميركيين في العراق، حوّلوا تركيزهم من عمليات محاربة الإرهاب إلى تشديد إجراءات الحماية بعد وقوع ضربة الثالث من يناير في بغداد التي قتلت قاسم سليماني، الشخصية العسكرية الإيرانية الأكثر نفوذاً. وهو ما ردت عليه إيران بإطلاق صواريخ باليستية على الجنود الأميركيين في العراق، ضربات لم تتسبب في وفيات، وإنْ كان عدد من العسكريين قد عانوا من أعراض يعتقد أنها مرتبطة بإصابات في الدماغ.
الآن، حسب «ماكينزي»، يجري الجنود الأميركيون ثلاث إلى أربع عمليات في الأسبوع مع القوات السورية الكردية ضد تنظيم «داعش»، وهي وتيرة مرتفعة ولكنها تظل أقل، مقارنة مع الحملة الضخمة السابقة متعددة الجنسيات.
ماكينزي وصل إلى سلسلة من القواعد المعزولة، حيث يرابط 500 إلى 600 جندي أميركي، وذلك خلال زيارته الأولى إلى منطقة من سوريا تعرف بـ«المنطقة الأمنية الشرقية». هذه المنطقة التي تضم أراضي زراعية، وتحتضن منشآت نفطية مهمة، أصبحت محط تركيز العمليات الأميركية بعد أن دفع غزو تركي لشمال سوريا الجنود الأميركيين إلى مغادرة القواعد هناك.
ولكن رغم أن «ماكينزي» قدّم تطمينات بأن الجيش الأميركي ما زال عاقداً العزم على محاربة تنظيم «داعش» وتدريب «قوات سوريا الديمقراطية» ذات الأغلبية الكردية، فإنه لم يعط أي جدول زمني لفترة بقاء الأميركيين.
وقال ماكينزي، الذي التقى مع القادة الأميركيين ومع الجنرال مظلوم كوباني، قائد «قوات سوريا الديمقراطية»، التي تعد الشريك الرئيسي للقوات الأميركية في سوريا: «بصراحة لا أعرف كم سنبقى هنا».
وأضاف قائلاً: «وليست لدي أي تعليمات، عدا مواصلة العمل مع شريكنا هنا» ضد «داعش» وحماية البنية التحتية النفطية، التي تأمل إدارة ترامب أن تساعد في تمويل العمل الأمني المتواصل لـ«قوات سوريا الديمقراطية»
وفي الوقت الراهن، يأمل القادة الأميركيون في تحقيق أكبر ما يمكن في إضعاف تنظيم «داعش» أكثر، وفي تحويل «قوات سوريا الديمقراطية» إلى وحدة أمن داخلي مستديمة.
وهذا يمكن أن يشمل أوامر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي وعد بإنهاء حروب محاربة التمرد الأميركية وانتشال الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. فلمرتين، بدا أن ترامب يأمر بانسحاب كامل من سوريا قبل أن يتراجع.
الرئيس سمح للمهمة الأميركية بمواصلة منع المقاتلين من السيطرة على حقول النفط السورية، ولكن زعماء البنتاجون يدركون أنه يمكن أن يغير رأيه في أي لحظة.
كما يمكن أن يشمل ذلك ما يُتوقع أن يكون حملة من قبل الرئيس السوري بشار الأسد، الذي استطاع بدعم من روسيا استعادة العديد من المناطق السورية التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة السورية سابقاً، تضغط شرقاً في المناطق التي توجد تحت سيطرة الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية حالياً.
وقال ماكينزي: «سنكون مستعدين للتعاطي مع ذلك، حين تتطور تلك الأحداث مستقبلاً، ولكن تركيزنا الآن منصب على هزم داعش بشكل دائم».
وخارج القواعد الأميركية، يزداد النزاع السوري تعقيداً، على نحو يمكن أن يؤثر في الجنود الأميركيين ومهمتهم. فالمسؤولون يقولون إن القوات الأميركية ما زالت تلتقي أحياناً مع جنود الحكومة السورية والجنود الروس، الذين توغلوا في شرق سوريا، ولكنهم يشيرون إلى أن تلك اللقاءات لا تنتج عنها أعمال عدائية.
«قوات سوريا الديمقراطية» تقوم الآن بالتنسيق مع روسيا في بعض المناطق التي أخلاها الجنود الأميركيون الخريف الماضي، كما بذلت تلك القوات جهوداً غير ناجحة للتوصل لاتفاق مع نظام الأسد، من شأنه السماح لها بالحفاظ على حكمها الذاتي، في وقت تسعى فيه الحكومة لإعادة فرض سيطرتها.
ومن جانبها، يمكن أن تحاول إيران أيضاً تنفيذ مزيد من العمليات الانتقامية ضد الولايات المتحدة، من خلال تنظيمات وكيلة لها، أو من خلال قواتها العسكرية في سوريا.
ثم هناك دينامية أخرى يمكن أن تؤثّر على فترة الوجود الأميركي توجد في إدلب، وهي محافظة في الشمال الغربي، حيث تقوم القوات السورية والروسية بحملة قصف شرسة للقضاء على معقل متبق للمعارضة.
فالمسؤولون الأميركيون يتوقعون إمكانية استمرار الأسد وروسيا في حملة دموية طويلة، يمكن أن تمنع النظام من التحرك غرباً إلى المناطق حيث توجد «قوات سوريا الديمقراطية» والأميركيون، الأمر الذي يمكن أن يسمح للولايات المتحدة بمواصلة حملتها ضد فلول «داعش» لفترة أطول.
وقال ماكينزي إن إدلب يمكن أن تصبح «مأساة إنسانية كبيرة»، مضيفاً أن المنطقة تأوي مقاتلين ولكنها تأوي أيضاً سوريين عاديين.
*صحفية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»