تم تأسيس منظمة جديدة تضم 8 دول عربية وأفريقية مطلة على البحر الأحمر وخليج عدن لتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بينها ومواجهة الأخطار المحدقة بها



في ضوء تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق بين الصين والولايات المتحدة، تترقب الأسواق تعافي حركة التجارة العالمية وارتفاع أسهم الشركات وانتعاش أسعار النفط، وتراجعاً في الملاذات الآمنة، على أمل أن يسهم ذلك في ارتفاع معدل نمو الاقتصاد العالمي. لكن يبدو أن توقعات المؤسسات الدولية تختلف باختلاف مصادرها، وإذا كانت السنوات الثلاث الماضية شهدت تراجعاً من 3.8% 2017 إلى 3.7% 2018، ثم إلى 3% العام الماضي، فإن البنك الدولي يتوقع استمرار التراجع إلى 2.5% العام الحالي، ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي 2.9%، أما صندوق النقد فقد كان أكثر تفاؤلا بنمو 3.4%، لكنه توقع بين التفاؤل وبين استمرار تراجع مستوى النمو، نتيجة تواصل الآثار السلبية لعدد من الاقتصادات الرئيسة في العالم.
في العام الماضي، سجلت اقتصادات كثيرة تراجعاً، نتيجة تأثرها بالحرب التجارية، ما يظهر بوضوح أهمية دعمها بمفاعيل اتفاق المرحلة الأولى بين أكبر اقتصادين، والتي يمكن أن تغير من معادلة الاقتصاد العالمي، مع الأخذ بالاعتبار احتمال حدوث تطورات سلبية، منها عودة التوترات التجارية، وموجات كساد حادة في الاقتصادات الكبرى، واضطرابات مالية. لذلك يرى البنك الدولي ضرورة إقدام اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية على إعادة بناء حيز التحرك على صعيد سياسات الاقتصاد الكلي من أجل تعزيز قدرتها على الصمود ومجابهة الصدمات المناوئة، ومتابعة الإصلاحات الحاسمة لزيادة النمو في الأمد الطويل.
تأتي هذه التطورات المرتقبة، في وقت يعيش فيه العالم على وقع تكتلات متعددة بعدما اقتنعت الدول أنها وحدها لا تستطيع أن تحقق التنمية المرجوة، ودور الأقاليم يأتي تلبية لتطور المصالح وحركة المال والتجارة والسلع التي أصبحت متحركة وعابرة للقارات، مع ازدياد عدد الاتفاقيات الإقليمية إلى 253 اتفاقية. ومن هنا تبرز أهمية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تشهد أحداثاً «جيوسياسية»، تتصدر قائمة المؤثرات على الاقتصاد العالمي، وقد تباينت وجهات النظر حول الآفاق الجيوسياسية في منتدى «دافوس»، لجهة سبل مواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تواجه دول المنطقة، مع احتمال أن تؤدي هذه التطورات إلى ظهور«اقتصاد سياسي» إقليمي جديد يسهم في تحديد علاقات الدول العربية مع القوى العالمية في المرحلة القادمة، التي ستشهد حركة استثمارات كبيرة في تمويل إعادة إعمار ما هدمته الحروب.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه روسيا تعاونها مع بعض دول المنطقة في استثمارات الغاز والنفط، تؤكد الولايات المتحدة بدورها على تحالف اقتصادي وأمني مع اليونان وقبرص وإسرائيل، للدفاع المشترك في مجال الطاقة. ولا بد هنا من الإشارة إلى أهمية تأسيس منظمة جديدة تضم 8 دول عربية وأفريقية مطلة على البحر الأحمر وخليج عدن لتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بينها، ومواجهة الأخطار المحدقة بها، خصوصا أنها تمر في مرحلة، تتطلب التنسيق والتشاور حول الممر المائي الدولي الذي يمثل أهمية كبرى للاقتصاد العالمي. ولتعظيم دورها، ستحتاج بالطبع إلى تعاون ودعم منظمات دولية وإقليمية، فضلاً عن الدول الفاعلة التي يهمها استعادة الأمن والاستقرار في المنطقة. ولعل مجلس التعاون لدول الخليج العربية هو الأكثر تأهيلا للقيام بهذا الدور، عن طريق تقديم أدوات التكامل الاقتصادي والأمني والسياسي.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية.