حرائق الغابات التي تدمر أستراليا ستستمر لعدة أسابيع على الرغم من استراحة مؤقتة في منطقتي «نيو ساوث ويلز» و«فيكتوريا». الأضرار التي حدثت فادحة ومروعة. وحتى الآن، فقد أتت الحرائق على أكثر من 100 ألف كيلومتر مربع من الغابات والأدغال، وعلى أكثر من مليار مخلوق من مخلوقات الحياة البرية الفريدة التي تشتهر بها أستراليا، مثل الكنغر ودببة الكوالا، كما كان ثمة تراجع هام في السياحة خلال ذروة الموسم السياحي، وتباطؤ في الإنتاج الصناعي لاسيما قطاع استخراج الفحم الحجري.. بسبب نوعية الهواء الخطيرة جراء هذه الحرائق.
وبالنسبة لأستراليا ذاتها، تُعد هذه النيران نداءً لليقظة ودعوة للحذر، خاصة بالنسبة لحكومة رئيس الوزراء سكوت هاميلتون والحزب الليبرالي الحاكم. فعلى مدى سنوات، سخر رئيس الوزراء وحزبه، إلى جانب روبرت موردوخ، من العلاقة بين ارتفاع حرارة الكوكب وتغير المناخ وحرائق الغابات، وقللوا من شأنها. لكن المواقف السياسية في البلاد أخذت تتغير وتأثيرات الاحتباس الحراري بدأت تصبح موضع تصديق من الجميع. إلا أنه ما زال من غير المعروف ما إن كان هذا سيؤدي إلى تغيرات مهمة في سياسة أستراليا الصناعية.
خلال عشرين سنة الماضية، شهدت أستراليا طفرة اقتصادية طويلة، تعزى جزئياً إلى صادراتها المربحة كثيراً من الفحم والمعادن إلى زبائن آسيويين يتوقون لهذه المواد المهمة. كما أن معظم إمدادات أستراليا من الكهرباء تأتي من محطات لتوليد الكهرباء تشتغل بإحراق الفحم، والصناعات المرتبطة بإنتاج الفحم والمعادن تُعتبر مصادر مهمة للتشغيل.
وبالنسبة لبقية العالم، تُعد الحرائق الأسترالية أعراضاً للتهديد العالمي الناجم عن ارتفاع حرارة المناخ والبحار. وسواء تعلق الأمر بفترات الجفاف أو الأعاصير أو الأمطار الطوفانية أو الانهيارات الطينية أو الفيضانات أو ارتفاع المد البحري على الخطوط الساحلية المنخفضة أو تدمير الشعاب المرجانية.. فإن تأثير تغير المناخ بات الآن جد واضح لدرجة أنه أضحى من الصعب على منكري التغير المناخي تجاهل الأزمة.
وهذا صحيح بشكل خاص في الولايات المتحدة، حيث كانت إدارة ترامب جد متشككة في تغير المناخ الناتج عن النشاط البشري، وقد سعت جاهدة لإلغاء العديد من السياسات البيئية التي كانت إدارة أوباما قد سنّتها. غير أنه على غرار الحكومة الأسترالية، لم يعد باستطاعة إدارة ترامب والحزب الجمهوري الآن تجاهل الواقع. وهنا يبرز مثالان مهمان. أولا، بعض الولايات الأميركية الساحلية، وخاصة تلك الواقعة في الجنوب، عانت من فيضانات ساحلية ونهرية استثنائية خلال السنوات الأخيرة. وإزاء هذا الوضع، قررت إدارة ترامب منح هذه الولايات مليارات الدولارات من أجل مساعدتها على إيجاد طرق لتوفير مزيد من الحماية ضد التهديدات المستقبلية. غير أنه حتى تكون مؤهلةً لتلقي هذه الأموال، يجب على هذه الولايات أن تشرح بالتفصيل لماذا تحتاج للأموال وكيف ستستخدمها.
غير أنه حسب صحيفة «نيويورك تايمز» (21 يناير 2020)، فإن بعضاً من أكثر الولايات الأميركية محافَظةً، مثل تكساس، رفعت تقارير طويلة لا تتضمن أي إشارة إلى عبارة «تغير المناخ» أو «الاحتباس الحراري». وإحدى الولايات التي تُعد هشة بشكل خاص، مثل لويزيانا، لم تشر إلى تغير المناخ سوى مرة واحدة، ضمن ملحق جاء مضافاً لتقريرها. ووفق مسؤول أشارت إليه صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن بعض الولايات تفضل رفض مليارات الدولارات على أن تقر بأن الاحتباس الحراري حقيقة.
بيد أن هذا الرفض التام من قبل العديد من الجمهوريين للاعتراف بواقع المخاطر البيئية التي تواجهها الولايات المتحدة، سيعطي نتائج عكسية على نحو لا مفر منه في وقت أخذ فيه عدد متزايد من أنصارهم يرفضون آراءهم العنيدة. هذا الرأي عبّر عنه بشكل بليغ وزير الخارجية الأميركي السابق جورج شولتز، الذي يُعد إحدى أيقونات الحزب الجمهوري، في مقال رأي نشرته مؤخراً صحيفة «واشنطن بوست»، وقد كتبه بشكل مشترك مع «تِد هالستيد»، رئيس «مجلس زعامة المناخ» (وهو منظمة يشارك فيها الحزبان أُطلقت في 2017)، وفيه يحاجج الرجلان بأن الزعامة الجمهورية في مجلس النواب اعترفت بأن تغير المناخ حقيقة وأن الحزب يتجاهله على مسؤوليته. كما يؤكدان أن أفضل طريقة وأكثرها محافظة لتقليص انبعاثات الكربون هي فرض ضريبة الكربون على كل المنتجين الذين يطلقون ثاني أكسيد الكربون في الجو في إطار نشاطهم التجاري. ويقترح كاتبا المقال إعادة إرسال عائدات مثل هذه الضريبة إلى الجمهور على شكل دفعات فصلية.
ولا شك في أن فرص هذا المقترح في القبول من عدمه ستتوقف على انتخابات عام 2020 الأميركية، لكن الآن على الأقل بات المحافظون المستنيرون مدركين لمدى أهمية المشكلة.