أخيراً تنفس عالم المال والأعمال والتجارة الصعداء، بعد أن وقع الرئيس الأميركي «دونالد ترمب» وكبير المفاوضين الصينيين «ليو هي» المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري الذي طال انتظاره بين البلدين، فارتفعت على إثره أسعار السلع، بما فيها النفط وأسواق المال، مما يؤكد أهمية هذا الاتفاق ليس للتجارة والأعمال بين البلدين الكبيرين فحسب، وإنما لكافة بلدان العالم، باعتبار أن هذا الاتفاق يخص أكبر اقتصادين عالميين.
وبما أن الأمر كذلك، فإن على جميع البلدان، وبالأخص دول مجلس التعاون الخليجي، القيام بإجراء تقييم شامل لتداعيات هذا الاتفاق لاعتبارات عديدة، سنأتي على ذكرها لاحقاً، حيث تشير بنود هذا الاتفاق إلى زيادة مشتريات الصين من السلع والخدمات الأميركية بقيمة 200 مليار دولار، مقابل تخفيض الرسوم الأميركية بنسبة النصف إلى 7.5% على سلع صينية بقيمة 160 مليار دولار، وإبقاء العقوبات الخاصة برسوم مرتفعة على سلع صينية أخرى بقيمة 350 مليار، حتى الاتفاق على المرحلة الثانية بعد الانتخابات الأميركية.
وفي الوقت الذي يمس هذا الاتفاق دول العالم، فإنه يعتبر مكسباً كبيراً للرئيس ترامب الذي خاض معركة حامية مع الجانب الصيني على مدى عام ونصف العام، ليخرج باتفاق يستجيب لمعظم شروطه، إذ أن ذلك سيكون مفيداً للغاية لحملته الانتخابية، بفضل ما سيحققه من مكاسب اقتصادية وتجارية للولايات المتحدة ولبعض قطاعاتها الاقتصادية الرئيسية، حيث أشار ترامب إلى أن هذا الاتفاق يعتبر مكافأة للمزارعين الأميركيين الذين تضرروا في الفترة السابقة بسبب الحرب التجارية بين الطرفين، إذ نص على زيادة مشتريات الصين من السلع الزراعية الأميركية بقيمة 40 مليار دولار، إضافة إلى الطاقة والخدمات.
والحقيقة أن الرئيس ترامب بعد شعار«الوطنية الأميركية» في حملته السابقة «لنجعل أميركا عظيمة من جديد» أكد على ذلك في حملته الحالية تحت شعار«لنحافظ على عظمة أميركا»، يستحق الإشادة من المواطنين الأميركيين، باعتبار أنه تصرف بشفافية ووطنية، قلما تحلى بها من سبقه من الرؤساء الأميركيين السابقين، فهو يفعل ما يقول بشفافية وصدق كبيرين، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه.
لنعود إلى تداعيات هذا الاتفاق بمرحلته الأولى، والتي تنص من بين أمور أخرى على زيادة مشتريات الصين من إمدادات الطاقة بقيمة 50 مليار دولار، وهي القيمة الأكبر من بين مشتريات القطاعات الأخرى، ذلك يعني أن الولايات المتحدة التي تحولت في السنوات القليلة الماضية إلى مصدر رئيسي للنفط والغاز، ستستحوذ على حصة أكبر في واردات الصين من النفط والغاز، علماً بأن الصين تحولت مؤخراً إلى أكبر مستورد للنفط في العالم، لترتفع هذه الواردات العام الماضي2019 بنسبة كبيرة، بلغت 9.5% ولتصل إلى 10.2 مليون برميل يومياً، يأتي معظمه من منطقة الخليج العربي، ومن دول مجلس التعاون الخليجي تحديداً.
لقد أضحت الأسواق الصينية منافذ رئيسية لصادرات الطاقة الخليجية والسلع المرتبط بها، كمشتقات النفط والبتروكيماويات، مما يعني أن هذه الصادرات سوف تتضرر، دون شك، من زيادة مشتريات الصين من إمدادات الطاقة الأميركية.
صحيح أن هناك زيادة مطردة في استهلاك الصين من الطاقة، لكن الصحيح أيضاً أن هناك دولاً أخرى إلى جانب الولايات المتحدة، ستدخل آجلاً أو عاجلاً على خطوط تزويد الصين ببعض احتياجاتها، كأستراليا في مجال الغاز وإيران في مجال النفط، حيث توقفت صادرات النفط الإيرانية إلى الصين تقريباً، بسبب العقوبات الأميركية، إضافة إلى الزيادات المتوقعة في إنتاج بعض الدول، كالعراق الذي ينوي زيادة إنتاجه من 4 إلى 6 ملايين برميل يومياً.
وبالإضافة إلى إمدادات الطاقة التي تخص دول المجلس، فإن هناك دولاً أخرى ستتأثر صادراتها من المنتجات الزراعية، كالدول الأفريقية والآسيوية ودول أخرى ستتأثر صادراتها من الخدمات والسلع الصناعية، كالبلدان الأوروبية، مما يعني أن على دول المجلس أن تبحث في هذا الأمر وتداعياته، إذ أنه لا يتعلق فقط بحجم الإمدادات، وإنما يتعداه إلى تأثيره في مستويات الأسعار، والتي من المحتمل أن تنخفض بفعل فائض الإنتاج واشتداد حدة المنافسة.