لا زلت أذكر تلك اللحظة في مؤتمر دافوس عام 2009 عندما قام الرئيس التركي الحالي أردوغان، بانتقاد ممارسات الرئيس الإسرائيلي وقتها شيمون بيريز، واتهامه بارتكاب جرائم حرب في غزة، والتظاهر بالتصدّي لمحاولات بيريز الدفاع عن نظامه. ثم غادر أردوغان الجلسة علناً أمام شاشات التلفزة، ليصبح حديث الكثيرين في العالم. وقد استقبله البعض في المطار لدى عودته، ثم انتقلت العدوى بعد ذلك إلى العالم العربي، وبدأت جماعة «الإخوان المسلمين» في تلميع قائدهم الجديد أردوغان ليرشحوه فيما بعد لمنصب «خليفة المسلمين» حيث لا يسأمون من ترديد عبارة كاذبة مفادها أن هذا المنصب خال منذ إلغاء الخلافة في 1924، رغم أن حكم العثمانيين الأوائل كان احتلالاً بربرياً أسوأ من الاستعمار.
والشيء الذي لم أستطع أن أنساه، هو نظرات بيريز التي ملؤها الدهشة من تصرف أردوغان، ثم علمنا وعلم العالم كله ما سبب تلك الدهشة، فمصانع السلاح التركية لحظتها كانت تزود إسرائيل بالرصاص الذي يُقتل به الفلسطينيون، وأردوغان يعلم ذلك جيداً في تلك اللحظة في دافوس. كيف يلوم الإسرائيليين ويزودهم بالسلاح في نفس الوقت؟ هذا جزء من تلاعب أردوغان بعقول أتباعه، ومن التناقضات التي اتسع رتقها على الراقع، وأصبح من يزاولها عرضة للسخرية مرة ثانية.
منذ ذلك اليوم وحلم استعادة الخلافة العثمانية يراود أردوغان، خصوصاً بعد رؤيته للجهود الحثيثة التي يبذلها «الإخوان المسلمون» العرب لتلميع صورته لدى عامة الناس.
وعندما اندلعت الاحتجاجات في سوريا عام 2011 دخل الجيش التركي ومعه الدواعش الذين ترك لهم حرية الحركة في بلاده، بحجة «دعم الجيران»، وانتهت هذه الجيرة بتسمية المناطق الشمالية من سوريا بأسماء تركية.
واليوم يعلن أردوغان رغبته في إرسال قوات من جماعة «الإخوان المسلمين» التركية لدعم حكومة فايز السراج الموالية له في ليبيا. نعم، لقد سال لعابه، فليبيا بالنسبة له نفط كثير وشعب قليل، وإن تم له الاستيلاء عليها فبالتأكيد سيساعده ذلك في مواجهة الأزمة الاقتصادية التركية.
ومن وجهة نظري، فإن الخطر الذي يمثله النظام التركي على منطقتنا العربية، أكبر من كل خطر، وذلك لأسباب عدة:
أولها، رفعه لشعار الإسلام السياسي، رغم أن تركيا دولة علمانية، لكنه يفعل ذلك سعياً لكسب متعاطفين في الشارع العربي السني، وهنا مكمن الخطورة الأكبر.
ثانيها، مبايعته من طرف «الإخوان المسلمين» وتلميعهم له ودعم شعاراته حول استعادة الخلافة العثمانية. ومعلوم أن جماعة «الإخوان» الإرهابية منظمة سرية لها خلاياها المنتشرة في العالم العربي، وهي تملك أموالاً طائلة.
ثالثها، أعلن أردوغان عن إرسال قوة تطوعية من جماعة «الإخوان المسلمين» التركية ومن مرتزقة الجماعات السورية المسلحة الموالية له، لمساعدة حكومة السرّاج في مقاومة دخول اللواء حفتر لطرابلس.
رابعها، أقنعت جماعة «الإخوان المسلمين» الليبية حكومة طرابلس بتقديم طلب رسمي إلى أنقرة للحصول على مساعدة عسكرية لصد تقدم الجيش الوطني الليبي نحو طرابلس. وتتكون المساعدات العسكرية التركية المقدمة إلى حكومة السراج حتى الآن من 3000 مستشار وإمدادات ثابتة من أنظمة الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ المضادة للطائرات والطائرات المسيّرة.
إن كل تلك المؤشرات والعوامل مجتمعة تدل على أن الخطر التركي أكبر من كل خطر آخر.