أعلنت فرنسا، الاثنين الماضي، أنها سترسل المزيد من القوات إلى منطقة غرب أفريقيا، وأعلن رؤساء خمس دول في المنطقة ترحيبهم بالدعم القتالي الفرنسي الجديد ضد تصاعد عنف المتشددين الإرهابيين. والتزام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتعزيز حضور بلاده العسكري في منطقة غرب أفريقيا المضطربة، والتي شهدت موجة عنيفة من الهجمات خلال الشهور القليلة الماضية، يمثل تحولاً كبيراً عن تهديده في ديسمبر الماضي بسحب قواته في ضوء الاحتجاجات المعادية لفرنسا.
واجتمع زعماء مالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو وموريتانيا مع نظيرهم الفرنسي في جنوب غرب فرنسا، واتفقوا على بناء هيكل قيادة مشترك مع القوة الأوروبية التي كانت تقوم في الماضي بدور كبير من غرب أفريقيا. وقبيل الإعلان، وضع الرؤساء أكاليل الزهور على نصب الجنود الفرنسيين الذين ماتوا خريف العام الماضي في مالي. ولفرنسا 4500 جندي في المنطقة، وهو أكبر عدد من جنودها في الخارج، وبفارق كبير. وصرح ماكرون أن فرنسا تعتزم نشر 220 جندياً آخرين. وأعلن الزعماء في بيان مشترك التزامهم بمواصلة التعاون سوياً لحماية المدنيين و«منع توسع خطر الإرهاب».
وكان سكان منطقة غرب أفريقيا قد احتفوا بالمساعدة الدفاعية من فرنسا في بداية العشرية الحالية، لكن بعضهم الآن يلقي باللائمة على القوات الأجنبية في تدهور الأمن. وفي الأيام القليلة الماضية، تجلت وحدة الصف في الاجتماع الذي استمر ساعتين في مدينة «بو» بجنوب غرب فرنسا. ويرى بول ميلي، محلل شؤون أفريقيا الفرانكوفونية في مركز تشاتهام هاوس في لندن، أن «كل طرف يحتاج الآخر، والجميع يقدمون تضحيات كبيرة». وتأتي القمة بعد أيام فحسب من ثاني مذبحة ضد القوات النيجيرية خلال شهرين، ما يلقي الضوء على مدى ارتباط الجناة بتنظيمي «داعش» و«القاعدة». وتكبّدت فرنسا خسائر في نوفمبر الماضي حين وقع حادث تصادم بين طائرتي هليكوبتر خلال معركة ضد مسلحين في مالي، ما أدى إلى مقتل 13 عسكرياً فرنسياً.
وتشير أحدث البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن هجمات الإرهابيين تصاعدت بخمسة أمثالها في دول غرب أفريقيا منذ عام 2016، مع رصد مقتل 4000 شخص وخروج مئات الآلاف من ديارهم. وذكر محللون أن العنف أسرع انتشاراً في مالي وبوركينافاسو والنيجر، والتي عانت كلها من هجمات متكررة على أيدي جماعات إرهابية تسعى للسيطرة على أراض وتهدد استقرار منطقة بها أكثر السكان شباباً في العالم. وحذّر مسؤولون أميركيون من أن الجماعات الإسلامية تتدرب وتدبر لهجمات من منطقة غرب أفريقيا التي تفتقر حكوماتها إلى الموارد للقضاء على المقاتلين في مخابئهم النائية في منطقة شاسعة وقاسية. وصرّح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في نوفمبر الماضي بأن القتال ضد «داعش» انتقل إلى هذه المنطقة من أفريقيا.
وقد وجدت القوات من غرب أفريقيا وفرنسا والأمم المتحدة صعوبة في احتواء المشكلة رغم ضخ ملايين الدولارات ورغم أعوام من العمل البشري. ودعت فرنسا الدول الأوروبية الأخرى لإرسال قوات خاصة إلى المنطقة. وتعهدت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل في أغسطس الماضي بالمساعدة في دعم الأمن في المنطقة. وتقدم الولايات المتحدة من جانبها المعلومات الاستخباراتية والتدريب ودعم الطائرات المسيرة في المنطقة. لكن البنتاجون أعلن أن أميركا ستقلص قواتها في أفريقيا بنحو العُشر في غضون السنوات القليلة المقبلة. ويشار إلى أن معظم القوات الأميركية متمركزة في شرق أفريقيا.
وبدأت مشكلة غرب أفريقيا حين انهارت حكومة ليبيا عام 2011 وتوجه أفراد المرتزقة الذين كان يوظفهم الزعيم الليبي السابق معمر القذافي إلى بلدهم الأم مالي وتحالفوا مع مقاتلي «القاعدة» هناك. ثم بعد عامين تصدت لهم فرنسا حين حاولوا السيطرة على العاصمة باماكو. لكن نشوة الانتصار تلاشت بعد أن أعاد المتشددون تنظيم صفوفهم وانتشروا في المنطقة.
ويؤكد خبراء أن نشاط الإرهابيين يتسرب الآن إلى السنغال وغانا، ما ينشر الخوف في بعض بلدان الساحل الأفريقية التي لم تشهد مثل هذه المخاطر من قبل. وعبّر البعض في غرب أفريقيا عن غضبهم من الفرنسيين لعدم قدرتهم على القضاء على المشكلة، وتساءلوا بشأن مدى مساهمة القوات الأجنبية في تفاقم المشكلة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»