من الصعب فهم الرأي العام تجاه الهجرة. فالأميركيون يعبرون عن آراء أكثر تأييداً تجاه الهجرة منذ انتخاب ترامب رئيساً. لكن أرقام استطلاعات الرأي هذه يتعين النظر إليها بتحفظات أولها أن التصاعد في الدعم للهجرة ربما يكون رد فعل على خوف ترامب من الأجانب، وقد يتلاشى بعد أن يترك الرئيس الحالي منصبه، والثاني أن استطلاعات الرأي لا تخبرنا بالكثير عن مدى اهتمام الجانبين بالقضية. وأخيراً يتعين الالتفات إلى أنه، حتى الآن، يتفوق معارضو الهجرة على مؤيديها.
لماذا يتحيز الجمهور ضد الهجرة؟ تشير غالبية البيانات إلى أن المهاجرين، في الولايات المتحدة على الأقل، يمثلون قوة ثرية وإيجابية. فهم يصعدون في السلم الاجتماعي بسرعة أكبر. ويساهمون بنسبة تفوق حجمهم في التكنولوجيا والصناعة. ولا يؤدون إلى خفض أجور العمال المولودين في البلاد، بل يرفعونها. وهم يرتكبون جرائم أقل من الأميركيين المولودين في البلاد. ويدفعون الكثير من الضرائب. ويبثون الحياة في المدن الصغيرة والأحياء البائسة. فلماذا يخشى الأميركيون إذن مما يبدو خيراً لا شبهة فيه؟
أحد الأسباب الممكنة هي أن الأميركيين رغم كونهم أكثر إيجابية نحو التنوع من دول أخرى كثيرة، فإنهم يشعرون بقلق من أن يضعف الوافدون الجدد ثقافتهم. وربما يكون للسياسة دور لأن أبناء المهاجرين يميلون إلى التصويت لصالح «الديمقراطيين» ويخشى «الجمهوريون» من احتمال أن تهدد الهجرة قوتهم الانتخابية. لكن فوق كل هذا، تتلاقى المشاعر المناهضة للهجرة مع الطعن في دولة الرفاهية.
قدم الاقتصاديون البرتو السينا وأرماندو ميانو وستيفاني ستانتشيفا في الآونة الأخيرة ورقة بحثية توصلوا فيها إلى هذه النتائج. وأجروا استطلاعاً مفصلا مع 24 ألف شخص محليي المولد في ست دول غربية متقدمة وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسويد وإيطاليا. وكشف بحثهم عن ميل أولئك الأشخاص إلى المبالغة في عدد المهاجرين، وفي تقدير حصة المهاجرين المسلمين وتقليل حصة المسيحيين، وإلى تقدير منخفض لحصة المهاجرين أصحاب التعليم المرتفع في قوة العمل.
وهناك كثيرون في الدول الغنية ينظرون إلى المهاجرين بالطريقة التي تصورهم بها القصيدة المنقوشة على تمثال الحرية باعتبار المهاجرين كماً مكدساً ومتعباً وجائعاً وفقيراً. وحتى الذين يؤيدون دولة الرعاية الاجتماعية، ربما يميلون إلى تقليص الدعم إذا كانت البلاد تواجه مثل هذا القطيع المحتشد من الوافدين الجدد المحتاجين. بل يصبح هذا الميل أقوى وسط الذين لا تروقهم فكرة دولة الرعاية الاجتماعية أصلاً، ممن يحملون الفقراء مسؤولية فقرهم ولا يبالون بالأجانب ويعتنقون الصور النمطية العنصرية.
ووجد السينا وزملاؤه الاقتصاديون أنهم حين يسألون الناس عن الهجرة قبل -وليس بعد- سؤالهم عن إعادة التوزيع، فإن تأييدهم لدولة الرعاية الاجتماعية يتراجع.
والذين يعرفون فوائد الهجرة سيواجهون مشكلات في التوصل إلى استجابة على هذا الميل المعادي لها. فالحملات التي تخبر الناس بأن المهاجرين يمثلون نقطة مالية إيجابية صافية لن تجدي نفعاً على الأرجح. فقد لاحظ السينا أن الخاضعين للمسح ليسوا مهتمين للغاية بمعرفة الحقائق الفعلية. وتغيير التوجهات الراسخة في الوجدان هو معركة شاقة دوماً لكن قد يساعد فيها تدشين حملة ضد العنصرية والصور النمطية السلبية عن الفقراء الذين لا يستحقون شيئاً!
والميل بنظام الهجرة إلى العمال المهرة، كما تفعل كندا ودول أخرى، لن يساعد فقط في الحفاظ على الوفرة في خزائن الحكومة، بل قد يساعد أيضاً في تعزيز التأييد لدولة الرفاهية الاجتماعية وفي مواجهة مفاهيم عامة مغلوطة.

*أستاذ التمويل المساعد السابق في جامعة ستوني بروك.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»