في ملف خاص نشرته «الاتحاد»، قبل بضعة أيام، استنتاج مهم مفاده أن  «التغير المناخي لم يعد  شأناً يخص علماء البيئة فقط، بل بات قضية عالمية تكتسي أبعاداً سياسية يوماً بعد يوم، وفاعلاً يحرك تطورات سياسية واقتصادية، وخطوط ملاحة جديدة، وسباقاً على ثروات في القطب الشمالي، واضطرابات وموجات نزوح وربما حروب مستقبلية، وصناعات مبتكرة للتصدي للخطر، ومفاوضات دولية للوقاية من التداعيات، وحتى وجبات غذائية، ومدناً عائمة تراعي مستجدات المناخ، ولربما لغة الأرقام تفرض نفسها لإثبات تداعيات التغير المناخي وتكلفتها الباهظة على دافعي الضرائب، فتكلفة الأعاصير التي ضربت الولايات المتحدة في العقدين الأخيرين بلغت 290 مليار دولار». 
وقد أدت درجات الحرارة المرتفعة واستمرار موجة الجفاف في أستراليا إلى انتشار حرائق غير مسبوقة في البلاد، أسفرت عن مقتل عشرات الأشخاص ونفوق ملايين الحيوانات. واتسع نطاق الحرائق التي بدأت في سبتمبر الماضي وأدت إلى إخلاء مدن بأكملها، وأتت على حوالي 60 ألف كيلومتر مربع من الغابات والأحراش والحدائق، ومن المتوقع ازدياد خطرها مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة في البلد. وتقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في هذا الصدد إن ارتفاع درجات الحرارة عالمياً، وهو السبب الرئيسي لهذه الحرائق، يرجع إلى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. بمعنى أن البشرية تدفع ثمن هذا الاحتباس الحراري وثمن استغلالها المفرط لثروات الأرض. وما هذه إلا البداية. وإذا كان هناك من حدث ذي تأثير كبير وعميق على جميع البشر في أصقاع الكرة الأرضية كلها خلال العقود المقبلة، فسيكون التغير المناخي لا محالة، والذي ستلحق بنا جميعاً عواقبه في نهاية المطاف.
ومنذ مدة حذّر البنك الدولي من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر مناطق العالم عرضة للخطر، نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحر، خاصة المناطق الساحلية المنخفضة. كما توقع أن يتعرض عشرات ملايين البشر في المنطقة لنقص المياه بحلول عام 2025، نتيجة للجفاف الذي يؤدي بدوره إلى زيادة الضغط على موارد المياه الجوفية، وإلى قلة المحاصيل الزراعية، مما ينعكس على اقتصادات دول المنطقة، إذ يضر بالسياحة ويؤدي إلى انخفاض المحاصيل الزراعية، وإلى زيادة البطالة وإضعاف القدرة الشرائية.. وما يتبع ذلك من مشاكل مجتمعية.
وقد أظهرت البيانات الصادرة مؤخراً عن مركز «كوبرنيكوس» للتغير المناخي أن درجات الحرارة في كل أنحاء العالم خلال العام الماضي كانت في المرتبة الثانية بعد درجات عام 2016 حين ارتفعت الحرارة 0.12 درجة مئوية بسبب ظاهرة «النينيو» المناخية.
وأظهر التقرير أن السنوات الخمس الماضية كانت الأكثر سخونة على الإطلاق، وكانت الفترة الأكثر دفئاً منذ بدء التسجيلات. وارتفعت الحرارة على مستوى العالم في عام 2019، بـ0.6 درجة مئوية عن متوسط الأعوام 1981-2010، كما ارتفعت حرارة الأرض خلال السنوات الخمس الماضية ما بين 1.1 و1.2 درجة مئوية مقارنة بالفترة ما قبل الثورة الصناعية. وأضافت «كوبرنيكوس» أن تركيزات الكربون في الغلاف الجوي استمرت في الارتفاع خلال عام 2019 ووصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.
ويشهد العالم زخماً عالمياً منقطع النظير تجاه التغير المناخي في العديد من المنتديات المتعددة الأطراف. وهذا الزخم لا رجعة فيه حيث لا تساهم فيه الحكومات فقط، بل يساهم فيه كذلك العلم والأعمال والعمل العالمي في مختلف الأصعدة. فمسؤولية الجميع اليوم تتمثل في اغتنام هذا الزخم بشكل جماعي للمضي قدماً نحو خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتعزيز جهود التكيف، والاستفادة ودعم خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وأهداف التنمية المستدامة. فكل القرارات الدولية في مجال المناخ هي قرارات مشروعة تنم عن مسؤوليات مشتركة وجماعية، والتمني الوحيد هو أن كبار الفاعلين الدوليين يقتنعون بمصير كوكبنا الذي خلقه الله أمناً وأماناً لنا، وهو ليس ملك لأحد، فوجب عليهم المحافظة عليه للأجيال المقبلة والقيام بكل ما يمكن للمساهمة في إيقاف قاطرة التلويث والاحتباس الحراري، وهذا هو التحدي الأكبر.

*أكاديمي مغربي