أدت حرائق الغابات التي لم يسبق لها مثيل والتي تدمر مساحات شاسعة في أستراليا، إلى ضخ أكثر من نصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية في البلاد، في نكسة أخرى للجهود المبذولة لمكافحة التغير المناخي. وأفاد «نيلز أنديلا»، عالم أبحاث مساعد في مركز «جودارد سبيس فلايت» التابع لوكالة ناسا في ماريلاند، أن الحرائق التي تجتاح «نيو ساوث ويلز» قد أطلقت 306 مليونات طن من ثاني أكسيد الكربون منذ الأول من أغسطس الماضي، ما يمثل أكثر من نصف انبعاثات الغازات الدفيئة في العام الماضي. هذا مقارنة بنحو 270 طناً خلال ما يزيد قليلاً على أربعة أشهر، وفقاً لتقديرات برنامج «كوبرنيكوس» لخدمات مراقبة الغلاف الجوي التابع للاتحاد الأوروبي.
وقد اندلعت الحرائق المدمرة في عام 2019 من القطب الشمالي إلى الأمازون وإندونيسيا، فيما يصفه العلماء بأنه عام استثنائي لحرائق الغابات. وفيما تتصارع أماكن مثل أستراليا مع الظروف المناخية القاسية، مثل الجفاف الشديد وموجات الحر المتكررة –والتي غالباً ما تتفاقم بسبب تغير المناخ– فمن المرجح أن تعاني هذه الأماكن من حرائق أكثر شدة وشراسة، يتوقع أن تبدأ في وقت مبكر وتستمر لفترة أطول.
ويقول «مارك بارينجتون»، وهو عالم بارز في برنامج «كوبرنيكوس»: «لقد كنا نراقب عن كثب شدة الحرائق والدخان المنبعث عنها، وعند مقارنة النتائج بالمعدل الذي تم رصده في فترة 17 عاماً الماضية، كانت الحصيلة غير عادية من حيث العدد والشدة، خاصة في نيو ساوث ويلز، التي بدأ موسم الحرائق فيها مبكراً».
وتستخدم وكالة «ناسا» بيانات الأقمار الاصطناعية لتحليل العلاقة بين الكشف التاريخي عن الحرائق والانبعاثات النموذجية الناجمة عن الحرائق المعروفة في التاريخ. وتُستخدم هذه العلاقة للتنبؤ بالانبعاثات استناداً إلى الكشف الفعال عن الحرائق في الوقت الفعلي تقريباً. وأقر «أنديلا» أن النظام لا يزال قيد التطوير وأن هناك درجة كبيرة من عدم اليقين المرتبطة بالتقديرات، ما يعني أنها يمكن أن تكون مرتفعة. وقد يستغرق الأمر شهوراً للحصول على تقديرات أكثر دقة من خلال بيانات الأقمار الاصطناعية الجديدة.
وقبل أسبوعين من الآن اشتعل أكثر من 200 حريق في أستراليا، أكثر قارات العالم المأهولة بالسكان جفافاً. ولا تزال نيو ساوث ويلز، الولاية الأكثر اكتظاظاً بالسكان، في طليعة الكارثة، حيث فقدت نحو 800 منزل منذ بدء موسم الحرائق في وقت مبكر من فصل الشتاء. وامتدت الكارثة إلى ولاية جنوب أستراليا، حيث اشتعل 86 منزلاً في نهاية الأسبوع. وقالت خدمة كوبرنيكوس: «لقد انتقل بالفعل هباء المادة العضوية وأول أكسيد الكربون عبر بحر تسمان إلى أقصى حدود أميركا الجنوبية».
ومن غير المرجح أن تتحسن الظروف في أي وقت قريب. ويتوقع مكتب الأرصاد الجوية الأسترالي أن تزيد درجات الحرارة القصوى عن معدلها على الأقل خلال الربع الأول من العام المقبل. ويشهد شمال ولاية نيو ساوث ويلز وجنوب كوينزلاند جفافاً قياسياً، وتهدد المستويات المنخفضة للغاية من رطوبة التربة بانخفاض إنتاج المحاصيل الصيفية الوطنية للعام الثاني بنسبة 52% لتبلغ 1.24 مليون طن، وفقاً للمكتب الأسترالي للموارد الزراعية والاقتصاد والعلوم.
ويرى «أنديلا» أنه من المألوف أن تتجاوز انبعاثات حرائق الغابات في أستراليا مقدار ثاني أكسيد الكربون المنبعث من المصادر الأحفورية، لأن حرائق الغابات الكبيرة في السافانا والأراضي العشبية، خصوصاً في المناطق الشمالية من البلاد، هي جزء طبيعي من النظم الإيكولوجية. لكن حرائق هذا العام في نيو ساوث ويلز، والتي تحدث إلى حد كبير في المناطق المغطاة بالأشجار، تعد استثنائية، كونها تستغرق وقتاً طويلاً حتى يتعافى الغطاء النباتي. وأضاف: «في السفانا والمراعي، فإن إعادة نمو النباتات المحترقة تمتص ثاني أكسيد الكربون المنبعث في غضون بضع سنوات، لكن بالنسبة للغابات قد يستغرق الأمر عقوداً». وأوضح: «من منظور دورة الكربون، سيكون السؤال الرئيس بالنسبة لنيو ساوث ويلز هو مدى سرعة تعافي الغطاء النباتي، أو ما إذا كانت بعض الغابات قد لا تتعافى على الإطلاق».
وفي عام 2014، قامت حكومة أستراليا المحافظة بإلغاء آلية لتجارة الكربون كانت تضع سعراً للانبعاثات. ويقول رئيس الوزراء سكون موريسون إن بلاده في سبيلها للوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية باريس، لكنها في الوقت نفسه تريد زيادة مبيعات الفحم كأكبر مصدر للصادرات في العام الماضي.
هسيو لي*
*صحفية متخصصة في قضايا المناخ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»