منذ الأيام الأولى لقيام الدولة الاتحادية عام 1971 شعرت النخبة المثقفة في دولة الإمارات بأنه من الضروري لنموها واستقرارها وتطورها أن تجد لنفسها مكاناً مناسباً للإسهام في تنمية الوطن الذي قام بشكله الاتحادي الذي يجمع الإمارات السبع تحت مظلة واحدة. مثل هذا الأمر كان يتطلب من أعضاء النخبة المثقفة التوصل بصفة عاجلة إلى صيغ مناسبة لتجاوز المعضلات القديمة المتراكمة عبر الزمن بسبب التواجد الأجنبي في البلاد، فبعد رحيل الوجود العسكري والسياسي البريطاني الذي كانت طلائع النخبة المثقفة تعارضه بسبب العزلة السياسية والاقتصادية التي فرضها على البلاد وفقاً لاتفاقيات ومعاهدات جائرة فرضها عليها، فكان أن اتجهت النخبتان السياسية والثقافية باتجاه بعضهما بعضا بقوة لظى صفحة الماضي إلى غير رجعة، والبدء بفتح صفحة جديدة من التعاون البنّاء خدمة للوطن والمواطن، وهي خطوة أقدم الجميع عليها بكل ود وإخلاص ومحبة إيماناً من الجميع بأنهم في سفينة واحدة لابد للجميع أن يعمل على سلامتها لكي تصل إلى بر الأمان.
لقد تواجدت حاجة عاجلة وملحة ومشروعة لملء الوظائف الحكومية الاتحادية المستجدة بالكوادر القيادية المواطنة وتشغيل القطاعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يحتاج إليها المجتمع.
لقد أنشئت تلك القطاعات مع الخطوات الأولى للمسيرة الاتحادية، سواء على المستوى الاتحادي أم على المستويات المحلية في كل إمارة على حدة. وفي المجمل يمكن القول بأن الصيغ الوطنية التي توصلت إليها النخبة المثقفة في دولة الإمارات في علاقتها بشؤون الوطن ومع النخبة السياسية والأساليب التي اتبعتها لمعالجة المسائل العالقة والتراكمات الموروثة لم تخرج كثيراً عن نطاق ما توصلت إليه ومارسته بشتى النخب المثقفة الأخرى على مدار العالم، لكن لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن لكل نخبة مثقفة خصوصيتها في التعامل مع مشاكلها وكل ما يمت لها بصلة من واقع البيئة الاجتماعية والسياسية التي تعيشها.
عندما بدأت النخبة المثقفة في الإمارات في تقاربها مع النخبة السياسية منذ نهاية ستينيات القرن العشرين، وتحديداً عام 1968 حين أعلنت بريطانيا نيتها الانسحاب من الخليج العربي ضمن ما عرف آنذاك باستراتيجية شرق السويس كانت لديها مبرراتها الوطنية المقنعة، وكان معظم أفرادها، خاصة أولئك الذين يمثلونها عن قرب لدى مراكز النخب السياسية يلتهبون حماساً لخدمة الوطن والمواطنين.
لقد تشكلت في مجتمع الإمارات الحديث نخبة مثقفة تستمد جذور قوتها من أصولها الاجتماعية التقليدية ومن القوة الاقتصادية التي اكتسبتها حديثاً والمستمدة من مشاركتها في مصادر الثروة فكوّنت لنفسها مركزاً مرموقاً في الدولة والمجتمع اكتسبت من خلاله سمعة طيبة بين الناس ولدى النخبة السياسية إما بسبب تحقيقها لمستويات عالية من التعليم الجامعي وما فوق ذلك من تعليم وصل إلى الدكتوراه وما بعدها من صقل وتعليم للذات أسهمت الدولة الاتحادية كثيراً في توفيره ومساعدة المواطنين على تحقيقه، وذلك منذ بداية قيام الاتحاد إلى يومنا هذا. وبالإضافة إلى ذلك أتاحت الدولة الاتحادية الفرصة أمام المثقفين لتبوء المناصب القيادية في الدولة، ولتحقيق الثروة نتيجة لانخراط العديد من المثقفين في النشاطات الاقتصادية الخاصة.
ومع سير الوطن قدماً في طريقه نحو الخمسين، يبدو أن دور النخبة المثقفة في بناء الوطن يسير نحو الأمام وبثبات واضح. عند هذه النقطة ينشأ أمامنا سؤال هو ما هو التغيير الذي طرأ على وعي النخبة المثقفة بهموم الوطن والمواطنين ودورها وحدودها وطبيعتها، وذلك على ضوء تجربة ما بعد قيام الاتحاد؟ ويبدو بأن هناك وعياً واتفاقاً بين رموز النخبة المثقفة بمحورية وأهمية الدولة الاتحادية القوية المصانة من قبل الجميع وحكومة اتحادية مركزية قادرة على تحقيق الأهداف المرتبطة ببناء الوطن وبالتنمية الاقتصادية وبتخطي العقبات والعوائق المترسبة من الماضي والمرتبطة بالمستوى العادي من التنمية الشاملة المستدامة.
*كاتب إماراتي