لم يحفزنا العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين كثيراً على التفاؤل بشأن مستقبل الكوكب. فانبعاثات حرق الوقود الأحفوري وتغيير استخدام الأراضي منذ بداية عام 2010 بلغت نحو 407 مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون. ونحو سدس كل انبعاثات الكربون خلال تاريخ البشرية الطويل، إنما انطلق في العقد الثاني من القرن الحالي. واستناداً إلى التقديرات المعتمدة، فإن الانبعاثات ستستمر بهذا الإيقاع لمدة 10 أو 20 سنة أخرى قبل أن ينقطع كل أمل في تجنب ارتفاع حرارة الكوكب درجتين مئويتين أخريين. وبالفعل فقد أصبح من شبه المستحيل تقريباً أن يسلك العالم مساراً يُبقيه بالقرب من ارتفاع حرارة الكوكب بنحو 1.5 درجة مئوية فقط، ليواصل سيره في الاتجاه الخطأ.
وقد جاء في أحدث نشرة سنوية للوكالة الدولية للطاقة حول توقعات الطاقة، أن «الانبعاثات المتعلقة بالطاقة بلغت قمة تاريخية قصوى أخرى في عام 2018». وجاء في النشرة أيضاً أن هناك فجوة ثابتة بين «توقعات التحول السريع في الطاقة الذي تحركه الموارد المتجددة، وبين الواقع الحالي لنظام الطاقة الذي مازال الاعتماد فيه على الوقود الأحفوري مرتفعاً بشكل لا يتزعزع». صحيح أن هناك قدراً مدهشاً من الأدلة يشير إلى أن عملية التحول المطلوبة بدأت تتكشف، خاصة في توليد الطاقة الذي يمثل أكبر شريحة من الانبعاثات.
وكي نعرف السبب، علينا المقارنة بين الأنشطة الحالية وبين احتمالات المستقبل بشأن الانبعاثات التي قدّمتها الوكالة الدولية للطاقة في عام 2009. وهذه الاحتمالات اقترحت مستقبلين مختلفين. الأول هو «الاحتمال المرجعي» الذي يفترض عدم اتباع سياسات جديدة تقيد انبعاثات الكربون. والثاني هو «احتمال 450» والذي يفترض الإسراع بالجهود الرامية إلى تقييد ارتفاع حرارة الكوكب بدرجتين مئويتين. و450 تشير إلى 450 جزءاً في المليون من تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الذي يعتقد أنه يتسق مع ارتفاع حرارة الكوكب درجتين مئويتين.
ومن الصعب التشكيك في أننا نعيش احتمال 450. فهذا الاحتمال يتخيل انضمام كل الدول الغنية إلى سوق الكربون الدولية بحلول عام 2013، مع وضع أهداف ملزمة لتقليص الانبعاثات بحلول عام 2020. وفي هذا الاحتمال أيضاً، تنضم كل الاقتصاديات الكبيرة الأخرى إلى سوق مشابهة بحلول عام 2021، بينما تقيد اتفاقات دولية منفصلة الانبعاثات من قطاعي النقل والصناعة. وبعد فشل مؤتمر مدريد بشأن المناخ الشهر الماضي، يبدو مثل هذا التصور عن التعاون العالمي خيالياً.
لكن رغم كل هذا، يقترب توليد الطاقة فيما يبدو من احتمال 450 وليس من الاحتمال المرجعي. فقد تسببت مولدات الكهرباء في انبعاث نحو 13.6 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون عام 2017، وفقاً لأحدث تقرير للوكالة الدولية للطاقة بشأن الانبعاثات على مستوى الكوكب. وإلى جانب الافتقار إلى سياسة للعمل، فحتى منتصف العقد الثاني، لم تكن الموارد المتجددة غير المدعومة قادرة على منافسة أسعار الطاقة الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري. لكنها بدأت الآن تنافس في الأسعار حتى محطات الطاقة الحرارية القائمة. وفوق هذا، شهد العقد الثاني إغلاق مفاعل فوكوشيما النووي عام 2011، مما أضاف 2.4 مليار طن من انبعاثات الكربون على مدار ست سنوات. ولو لم تحدث كارثة فوكوشيما لكانت انبعاثات شبكة الطاقة تسير قريباً من أفضل توقعات الوكالة الدولية للطاقة عام 2009.
وتحسن اقتصاديات الموارد المتجددة وتدهور مستقبل الطاقة الناتجة عن حرق الفحم، يوحيان باحتمال السير في اتجاه أكثر إيجابية أثناء العقد الثالث. لكن هناك أنباء سيئة. صحيح أن قطاع الطاقة يتحول إلى السير في الاتجاه الصحيح، لكنه يمثل أقل من نصف انبعاثات الوقود الأحفوري في العالم. والأمور تبدو أسوأ وليس أفضل في مجالات أخرى. فانبعاثات قطاعي الصناعة والنقل تقلصت، لكن التقلص كان أقل من تحقيق احتمال 450 للوكالة الدولية للطاقة، بل تسببت هذه الانبعاثات في نسبة من الكربون أكثر من المتوقع في الاحتمال المرجعي.
لقد تجاوزنا بالفعل رصيدنا من الكربون. ويتعين علينا العمل بجد أكبر في العقد الثالث كي نعيد التوازن للحساب. لكن ما حدث في قطاع الطاقة مشجع. فقبل عقد وأكثر كان الحصول على طاقة منخفضة الانبعاثات من الكربون وقادرة على المنافسة الاقتصادية أمراً يشبه الخيال العلمي. لكن اتضح أن هذا كان شديد التشاؤم. فقد أصبح تقليص انبعاثات الكربون الناتجة عن توليد الطاقة مشكلة سهلة الحل بشكل مثير للدهشة فيما يبدو. وإذا استطاع العالم البدء في عملية تحول مشابهة في النقل والصناعة ومواصلة التقدم الذي تحقق في السنوات العشر الماضية في مجال الحصول على الكهرباء، فربما سيظل بوسعنا السيطرة على إدمان البشرية للكربون قبل فوات الأوان.
ديفيد فيكلينج
صحفي متخصص في الشؤون الاقتصادية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»