الاثنين الماضي، 30 ديسمبر المنصرم، مرت الذكرى الثالثة عشرة لإعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، بعد عدة أشهر من مطاردته من مكان إلى مكان، حتى قبضت عليه القوات الأميركية، وسلمته للمحكمة المحلية العراقية لمحاكمته ومن ثم شنقه حتى الموت في يوم عيد الأضحى المبارك. وتم تنفيذ الإعدام من قبل الحكومة العراقية الجديدة، التي تشكلت بدعم أميركي وبريطاني.
العراق تم غزوه واحتلاله وتدميره، حيث اغتُصبت بغداد على مرمى ومسمع العالم كله، وتم حل جيش العراق الوطني ومؤسسات الدولة، وظهرت الميليشيات، وأصبحت تحكم البلاد شريعة الغاب.
وبعد 16 عاماً من اجتياح العراق وتفتيته وتمزيقه، ما زال هذا البلد العربي الشقيق يسبح على بركة من الدم ويعاني الفوضى العارمة، حيث قُتل أكثر من مليون شخص وتم تهجير أكثر من 5 ملايين عراقي، واعتقل 30 ألفاً بتهم مختلفة، وحُرق الزرع والضرع، وتدمير البناء، بسبب الفلتان الأمني والفوضى والنهب والسلب.
فقد العراق هيبته ودوره وتأثيره في صنع القرار العربي والدولي، حيث تعمد الغزاة إبعاد العراق عن محيطه العربي، وعن حاضنته الطبيعية. العراق كان أحد أجنحة العالم العربي القوية، لكن تم تدميره في مخطط رهيب ومدروس بعناية، وضمن سياسات تعكس نوايا سيئة وخبيثة، هدفها تفتيت بلاد الرافدين، وقلعة الأسود وبلاد الرشيد إلى طرائق عدة.
ومنذ إعدام صدام حسين والعالم العربي مقسوم، بين مؤيد ومعارض ومتفرج. صدام ارتكب خطأ فادحاً بغزو الكويت،
وقبل هذه الكارثة، كان كثيرون ينظرون للعراق كحائط صد قوي وصمام أمان بوجه الغزاة والأطماع الأجنبية في المنطقة، سواء الأطماع الإقليمية أو الدولية، فضلاً عن أنه كان يمسك خيوط اللعبة في إدارة بلاده باقتدار وقوة، بشكل حاسم وقوي ورادع وملجم إعداء الأمة، وأثناء حكمه الماضي لم نعلم أن العراق يعج بالفلتان الأمني والفوضى مثلما هي الحال الآن.
للأسف، لم ندرك حجم الحس الطائفي البغيض الذي تفشى، الذي طغى على مسمى الهوية الوطنية والعراق الموحد الذي كان لا يعرف الطائفية والمذهبية والقبلية والأثنية، بل كنا ننظر للعراق بلداً عربياً موحداً خالياً من الطائفيين.
كان العراق وطناً موحداً من «زاخو للبصرة»، ومن حدود إيران إلى حدود الأردن والسعودية، تحكمه سلطة علمانية أو حزبية أو دولة قوية تحت مظلة واحدة، يجتمع تحتها كل العراقيين من (عرب وأكراد وسنة وشيعة ومسيحيين وشبك ويزيدية وكلدانيين وصابئة)، تحت مسمى الهوية الوطنية العراقية، كانت دولة تسير نحو خط أيديولوجي حزبي واحد، صحيح أن صدام لم يكن ديمقراطياً، لكنه لم يكن طائفياً، ولم يكن متسامحاً، بل كان عنيداً وقاسياً.
حكم صدام حسين، رحمه الله، فترة يمكن وصفها بالقبضة الحديدية التي كان العراق خلالها بلداً مستقراً، وللأسف، تبدل الآن حال العراق، وبات يعج بالفوضى، والتدخلات الخارجية، ما جعل البعض يترحمون على حقبته، رغم كل ما فيها من أحداث جسام.
* كاتب سعودي