قبل أن تبدأ المرحلة التشغيلية الأولى في محطّة براكة للطاقة النووية ذات الاستخدامات المدنية، والمقرر انطلاقها خلال الربع الأول من العام الجاري، وكعادتها، حققت دولة الإمارات سبقاً عالمياً وسجّلت اسمها في قائمة المتميزين في مجال سعة المفاعلات النووية قيد الإنشاء، على الرغم من أنها ليست من الدول التي سجلت مبكراً حضورها في هذا المجال ذي الأهمية الكبيرة، وأنها لا تزال حديثة عهد باستخدامات الطاقة النووية.
الإنجاز الذي نفاخر به العالم هو أنّ دولة الإمارات صعدت من المرتبة الثالثة إلى الثانية عالمياً في قائمة المفاعلات النووية قيد الإنشاء بسعة 5.38 غيغاوات، متقدّمة بذلك على دول ذات باع وسبق في مجال استخدام الطاقة النووية، من بينها كوريا الجنوبية والهند وبيلاروسيا واليابان وتايوان والولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يعزز ثقة أبناء الوطن بقدرة الدولة على تحقيق كل ما تصبو إليه وفي مختلف مجالات التكنولوجيا.
وبالعودة إلى موضوع تشغيل محطة براكة، فهو بالنسبة لدولة الإمارات ليس حدثاً عادياً، بل يمثّل بداية تحقيق حلم عملت الدولة جاهدة على تحقيقه، ليس من باب الترف، بل في إطار سعيها إلى امتلاك زمام التكنولوجيا المتقدّمة السلمية، وحرصها على تنويع مصادر الطاقة وتقليل اعتمادها على المصادر التقليدية وفي مقدّمتها الوقود الأحفوري، وكذلك الإسهام بشكل فاعل في الجهود العالمية الرامية إلى توسيع الاعتماد على الطاقة النظيفة، وبالتالي الحدّ من مسببات التلوث ومن ظاهرة الاحتباس الحراري وما ينتج عنها من أضرار على البيئة تنعكس بشكل مباشر على نوعية الحياة على كوكب الأرض.
ويوم أمس، أعلنت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية «إينك» انطلاق الاختبارات والاستعدادات التشغيلية في المحطة الأولى في براكة، وأن الجاهزية تامّة للبدء في تحميل الوقود النووي، ومن ثمّ انطلاق العمليات التشغيلية للطاقة النووية السلمية في العالم العربي، وأنها تنتظر حالياً الحصول على رخصة التشغيل من الهيئة الاتحادية للرقابة النووية، حيث ستتبع ذلك زيادة مستوى الطاقة في المفاعل تدريجياً مع الاختبارات المصاحبة، وصولاً إلى التشغيل التجاري الكامل، في غضون شهور عدة.
كلّ ذلك يؤكّد بما لا يدع مجالاً للشك، قدرة دولة الإمارات على تحقيق الريادة في شتى المجالات، وخصوصاً عندما تنجح وبقوة وتميّز في اقتحام مجال كان لفترة طويلة مقتصراً على دول بعينها وممنوعاً على معظم دول العالم وخصوصاً النامية منها، لتحقق بذلك حلماً طالما راود العرب من محيطهم إلى خليجهم، بأن تتمكن إحدى دولهم من امتلاك التكنولوجيا النووية وتسخيرها لخدمة عمليات التنمية والازدهار والعبور نحو المستقبل.
ولطالما حظيت الطاقة النووية باهتمام كبير في جميع الخطط الاستراتيجية والتنموية لدولة الإمارات، حيث تلعب دوراً محورياً في استراتيجية الإمارات للطاقة 2050، والتي تهدف إلى الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 70%، وزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة بنسبة 50%، والارتقاء بمستوى كفاءة استهلاك الطاقة بنحو 40%، بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، وها هي اليوم تتحول من مجرد أفكار وخطط إلى واقع على الأرض، بفضل رؤى وطموحات وجهود قيادة رشيدة جعلت من وضع وطنها في مقدمة الصفوف شغلها الشاغل.
ولأن دولة الإمارات كانت، ولا تزال وستبقى دائماً، ممن يقدّسون الحياة ويولون أدق تفاصيلها أعلى درجات الاهتمام ويقدّمون السلامة والمحافظة على البيئة ومنع كل ضرر قد يلحق بها، فقد أسست -قبل ممارسة أي نشاط لاستخدام الطاقة النووية السلمية- هيئة لمراقبة تلك الأنشطة والإشراف عليها، وهي «الهيئة الاتحادية للرقابة النووية»، وجعلت مهمتها الأساسية حماية الجمهور وحماية العاملين في هذا المجال، وحماية البيئة كذلك، من خلال تطبيق برامج رقابة نووية على الأمان والأمن والوقاية من الإشعاعات.
الإمارات ستواصل درب التميّز والإبداع والابتكار، لأنها ألغت من قاموسها كلمة مستحيل، وستواصل نهجها في تحقيق الإنجازات التي تحقق رؤيتها وطموحاتها العظيمة.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.