الزهايمر مرض يسبب فقدان الذاكرة، والمهارات المرتبطة بعمليات التفكير، والقدرة على الاتصال وتحديد الاتجاهات والتوقيت والتميز بين الأشياء والأشخاص. وينتج عن هذا المرض فقدان الإحساس بالبيئة المحيطة. ويكون تأثيره سلبياً على الحياة اليومية. ولقد وردت إشارة لتأثير الكبر على الذاكرة في القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ لْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا»[النحل: 70]. ينسى الإنسان في مرحلة الشيخوخة المصاحبة لمرض الزهايمر ما قد علم، وينكر ما يعرف، ويعجز عما كان يقدر عليه. ويصبح بحاجة إلى المعونة الدائمة. ووفقاً لما ذكرته منظمة الصحة العالمية أن هناك حوالى 47.5 مليون شخص حول العالم مصابين بالزهايمر، لذا يوصي الأطباء للوقاية من الزهايمر بالعناية بالصحة الجسدية والعقلية منذ الصغر واتباع حمية غذائية، وممارسة الرياضة، والمطالعة الدائمة لتنشيط الذاكرة، والمحافظة على ساعات النوم، وسماع الموسيقى.
وهناك دراسة نشرها باحثون أميركيون في دورية «بلوس وان» أن العازفين على الآلات الموسيقية غالباً ما يشعرون بتحسن في وظائف المخ مثل التعلم والتذكر. وأن فئة العازفين من كبار السن في مرحلة الشيخوخة لديهم قدرة عالية على الاتصال والتركيز والمتابعة، ويستطيعون التفاعل مع الآخرين بشكل جيد مقارنة بأقرانهم الذين لا يعزفون والمهددين بالإصابة بمرض الزهايمر. وهناك دراسة صادرة عن جامعة كاليفورنيا تؤكد أن العزف على الآلات الموسيقية في الصغر يقاوم مرض الزهايمر عند الكبر.
درس الباحثون في جامعة «يوتا هيلث» في الولايات المتحدة الأميركية تأثير الموسيقى على نشاط أدمغة مرضى الزهايمر، حيث أقاموا تجربة على عينة من مرضى الزهايمر، وقاموا بتشغيل المقطوعات الموسيقية المفضلة لديهم تزامناً مع التقاط أشعة لأدمغتهم بالرنين المغناطيسي. وعقد الباحثون مقارنة بين صور الدماغ قبل وبعد الاستماع إلى الموسيقى. أثبت هذه التجربة بأن مناطق الدماغ الرئيسة المرتبطة بالذاكرة الموسيقية لا تتضرَّر نسبيّاً من الزهايمر وتنجو شبكة المؤثرات الحسية داخل الدماغ من الضرر الذي يسببه الزهايمر.
فبعد سماع المقطوعات الموسيقية المرتبطة بالذكريات القديمة، بدأ الكثير من المصابين بالزهايمر التحدث والتفاعل مع أقاربهم. تؤكد هذه التجربة بأن الموسيقى تساعد على استرجاع بعض الذكريات القديمة وذلك بتحفيز العواطف التي استحضرت معها الذاكرة، وأظهرت التجربة أنه عند استحضار الذاكرة، تم الاتصال والتفاعل بين المصابين بالزهايمر وأقاربهم، إذ أكدت هذه التجربة أن الموسيقى (المرتبطة بحادثة أو ذكرى أو زمن ما) تعيد الشعور بالإحساس، وتجعل المريض يتفاعل مع أقرانه (ولو بشكل مؤقت)، بينما لا تستطيع الأدوية ولا المقربون إحياء الذاكرة لدى المرضى.
ينصح الأطباء باستخدام الموسيقى عند رعاية مرضى الزهايمر، ما ينعكس إيجاباً على الصحة النفسية. يجب البحث عن نوع الموسيقى المفضلة لدى مرضى الزهايمر. لمحاولة إيقاظ الذكريات لديهم يوصى بإسماعهم الأغاني أو الأناشيد أو الأشعار أو الموسيقى التي نشأوا عليها، خاصة التي كان يسمعها في مرحلة الشباب، حيث تستطيع الموسيقى في مرحلة الشيخوخة، إعادة الذكريات القديمة التي عاشوها في حياتهم إلى الذاكرة، حيث تؤكد الدراسات أن الذكريات المرتبطة بالموسيقى يتم الاحتفاظ بها أثناء الإصابة بداء الزهايمر. وينصح الأطباء بتشغيل الموسيقى التي تبعث على الراحة أثناء تناوُل الوجبات الغذائية. وينصح أثناء تشغيل الموسيقى بمحاولة تجنب المشتتات البيئية والابتعاد عن تشغيل جهاز التلفاز أو المذياع وتجنب الضوضاء الناتجة عن أصوات الأطفال التي من شأنها أن تُسبِّب إرباكاً للذاكرة. كما يجب تشجيعهم على الحركة مثل التصفيق أو تحريك الجسد على إيقاع الموسيقى. وإذا لُوحظ بأن الموسيقى أيقظت ذاكرة المريض أو أظهر بأنه استمتع بالموسيقى، فيجب تكرار تشغيلها. يمكن القول بأن الموسيقى تمثل وسيلة اتصال جديدة، ولها القدرة على إحياء الذكريات الدفينة، ولكنها لا تقدم علاجاً لإحياء الذاكرة كلياً.
*أستاذ مساعد بأكاديمية الإمارات الدبلوماسية