العمل عبادة، والعبادة لابد أن تسبق بنية خالصة لإتمامها على أسمى شكل، فإتقان العمل هو ما يضفي عليه قيمة، جاعلاً منه مصدراً للنفع، لا زيادة في الفجوة التي تنأى به عن تحقيق الأهداف. يقول الحق في محكم تنزيله: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمؤمِنُونَ». ومن ذلك لزم إدماج الخطط بالجهود، متخطية للشعارات والتنظير، والتوجه لتتويج التوقعات بالمبادرات، ووضع الأساسات تزامناً مع آخر تأكيد على صواب الفكرة وقياس مدى نجاحها ونضوج مخرجاتها.
وعلى صعيد عام 2019 الذي لملم ما تبقى له من ساعات، وفي الوقت الذي تفاخر به الدول والجهات والأفراد، بما أنجزت وقدمت في مجالاتها الطامحة لشحنها بالازدهار، شهدت الكثير من المؤسسات عرض مقترحات تسرع من خطاها النهضوية. وفي هذا السياق قدمت المؤسسات الإسلامية على وجه الخصوص عدة محاولات لطرح ما يوائم «التحولات العالمية» المنعكسة بخيرها وشرها على عاتق المجتمعات المسلمة، من خلال عدة جهود طموحة، صوناً لما لها من حقوق، وسعياً لتأسيس أرضية عالمية مشتركة للتعايش السلمي، بحيث تجعل من المبادئ الإسلامية الإنسانية تربةً لجذورها، وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ماءً يرويها، مستمدةً من نصوصه ومبادئه قوة في دعم أهدافها، جاعلةً من الممارسات الإنسانية الفضلى لقيم المواطنة الحقيقية الكاملة متنفساً لها.

من المتوقع بعد الخطوات الجادة المقدمة من المؤسسات الإسلامية، والساعية لإيجاد الأرضية الخصبة لغرس براعم تخطي التحديات، أن تقوم بالدفع بمجالات تعزيز الحقوق المدنية والسياسية للمجتمعات المسلمة، مبرزةً ما للتعددية الثقافية والدينية، من ثروة في إغناء وبناء الدولة الحديثة؛ وبالتالي التصدي الصريح لكافة عوامل التطرف، إضافةً لما لذلك من تعزيز الانتماء الديني والوطني للمجتمعات المسلمة، وترسيخ سبل التربية على المواطنة واحترام العقد الاجتماعي.
إن للمؤسسات الإسلامية أينما حلت عظيم الأثر في تحقيق الأمن الفكري والروحي والثقافي للمجتمعات المسلمة، وبناء سد منيع لصونها من التطرف والغلو، وبخاصة في ظل الدعوات المتتالية لتجديد الخطاب الديني، وإزاحة الضبابية عما ضم من معاني سمحة، داعيةً للتيسير والتسهيل على العباد وإحقاق الخير للبلاد. وهذا ما يعنى بتصحيح الصور النمطية التي ألصقت جوراً وتأججت مظاهرها في السلب على المجتمعات المسلمة، فلابد من إيلاء هذا المجال العناية الكافية، والمعمقة لتبديد ظلمته التي امتدت في وسائل الإعلام، والعديد من المؤلفات.
تقديم واجبات المؤسسات المسلمة تجاه مجتمعاتها، واستشعار القائمين عليها بالمسؤولية العظيمة المترتبة عليهم، وإيصال أفراد المجتمع لمستوى الوعي وفتح نوافذ المشاركة والتسامح مع الآخر، يقوم بحد ذاته دور اليد الحانية على مكونات ذلك المجتمع ابتداءً من الطفل في مرحلة التنشئة، وحتى الوصول للبنة أسرية رصينة مصونة، تتمتع بثقافة ووعي ودراية فيما عليها من حقوق وما عليها من واجبات تجاه بلدانها. إذ ينعكس التماسك الأسري في المجتمع المتعدد، على منظومة التعايش السلمي، محافظاً على الهوية، معززاً ومفعلاً لدور المرأة المسلمة، راعياً للطفولة وللشباب على حد سواء.

وفي الوقت الذي أُثبِتَ به أن للمؤسسات الإسلامية، بالغ الأثر كنقطة بداية في نهضة المجتمعات، ورأب الصدع فيما بينها، لزم تحقيق النهوض بالأداء الوظيفي للمؤسسات الإسلامية وتفعيل دورها في تعزيز التعارف الحضاري والسلم المجتمعي، ابتداءً من دور المسجد وأثره في حياة المجتمعات المسلمة، ثم النهوض برسالة الأئمة والمرشدين والمرشدات الدينيات، ودعم مجالات تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها ومبادرات تصحيح صورة الآخر في الأعلام والكتب والمناهج الدراسية، والاهتمام بقضايا المرأة والشباب وإشراكهما في صناعة مجتمعات السلم والوئام الوطني، وتحقيق الجودة في الإطار الدعوي، مما سيؤول لإحداث تغييرات ذات بعد إيجابي واسع النطاق، يزيد من إمكانية استثمار خبرة الكفاءات العلمية من أبناء المجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية، مما يؤسس لأرضية تعاون دولي وحوار منفتح الأفق مع الآخر، نحو تعاون دولي وديبلوماسية شعبية عالية المستوى.
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة.