أطلعتنا وسائل الإعلام العالمية أن موقع «فيسبوك» فتح منذ أيام تحقيقاً بشأن نشر معلومات قابلة للتنزيل على شبكة الإنترنت، تتعلق بأسماء وأرقام هواتف أكثر من 267 مليون شخص من مستخدميه. وكانت هذه البيانات متاحة للتنزيل على منتدى أحد القراصنة الإلكترونيين الذي يعود لإحدى الشبكات الإجرامية.. ويأتي الكشف عن هذه البيانات المسروقة في الوقت الذي تسعى فيه الشبكة الاجتماعية العملاقة لإعادة بناء الثقة مع مستخدميها وتخفيف مخاوفهم بشأن حماية معلوماتهم.
وقال منظّمون أميركيون في وقت سابق من هذا الشهر، إن شركة الاستشارات البريطانية «كامبريدج أنالتيكا» التي تورطت بفضيحة هائلة تنطوي على سرقة بيانات «فيسبوك»، قامت بخداع مستخدمي الشبكة لجمع معلوماتهم الشخصية والتصرف بها.
كما أن لجنة التجارة الفيدرالية ذكرت أن تحقيقها الذي بدأ في مارس 2018 خلص إلى أن شركة الاستشارات السياسية التي تم حلها «شاركت في ممارسات خادعة لجمع المعلومات الشخصية لعشرات الملايين من مستخدمي فيسبوك لتوصيفهم كناخبين واستهدافهم لاحقاً». وتابعت اللجنة أن الشركة البريطانية، التي عملت لصالح حملة دونالد ترامب الرئاسية عام 2016، قدمت ادعاءات «مضللة» عندما اجتذبت مستخدمي فيسبوك للقيام بـ«اختبار للشخصية» متعهدةً بأنها لن تقوم بتنزيل أي معلومات شخصية.
وتسببت القضية بعاصفة حول مسألة حماية البيانات عندما تم الكشف أن «كامبريدج أنالتيكا» كانت قادرة على إنشاء ملفات تعريف نفسية للملايين من مستخدمي فيسبوك.
لقد أصبح أمن البيانات الشخصية، بل وأمن الإنترنت بصفة عامة، أحد المواضيع الحساسة والاستراتيجية التي تشغل بال العديد من حكومات العالم في وقتنا الحالي.. وليس غريباً أن نقرأ مثلا أن قراصنة تمكنوا من اختراق بعض الحسابات الخاصة على البريد الإلكتروني الخاص بكبار المسؤولين الأميركيين أو أن تتعرض مؤسسات دولية وأجهزة أمن قومية لهجمات إلكترونية. وليس غريباً أن نسمع أن الجيش الإسرائيلي يعمل سنوياً لتأهيل مئات الجنود والضباط للعمل في مجال الحرب الإلكترونية في إطار الدوائر الاستخبارية والتنصت، أو أن نسمع ونقرأ من بعض المراسلين والقادة الإسرائيليين أن الحرب الإلكترونية باتت اليوم حرباً تستعد لها تل أبيب جيداً، خشية أن تدخل في أنظمتها الحساسة فيروسات تشل عملها في أحرج الأوقات، في إطار حرب «السايبر» التي يسمونها «حرب الظلال» الجارية بين الجيوش في عمق قلب «معلومات العدو»، وتشبه الحديث عن «رقعة شطرنج» ضخمة عالمية تتحارب فيها أفضل العقول.
وقد كانت ألمانيا في السنين الأخيرة، ولمرات متعددة، ضحية قرصنة إلكترونية غير مسبوقة في أدبيات تجسس الدول الغربية القوية، فقد تم نشر بيانات شخصية لمئات المسؤولين السياسيين والشخصيات العامة بينهم المستشارة أنغيلا ميركل، إثر عملية قرصنة أو تسريب معلومات واسع النطاق. وشملت التسريبات لوائح هاتفية عليها مئات أرقام الهواتف النقالة، وكذلك وثائق داخلية لأحزاب مثل لوائح الأعضاء. وبحسب عدة وسائل إعلام بينها شبكة «إر بي بي» العامة، فإن التسريبات استهدفت أيضاً مشاهير وصحافيين. وقالت وزارة الداخلية الألمانية، إن كل الأحزاب السياسية الألمانية الكبرى، من «الحزب الديمقراطي المسيحي» إلى الخضر، شملتهم القضية، وبينهم أيضاً حزب اليمين المتطرف «البديل من أجل ألمانيا».
لا جرم إذن أن يصبح أمن الإنترنت من الخصائص المباشرة لعمل أجهزة الأمن القومي ومصالح الجيش ووزارات الدفاع التي تضع خططاً واستراتيجيات لحماية أمن شبكاتها الإلكترونية، ومن ثم أمنها الداخلي.