تسعى تركيا لخلط الأوراق ليس فقط على اللاعبين في ليبيا، ولكن أيضاً في منطقة شرق المتوسط باسرها، إذ وقّع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» الليبية فائز السراج، في 27 نوفمبر الماضي، مذكرتي تفاهم تنص أولاهما على تحديد مناطق النفوذ البحري بين الطرفين، فيما تقضي الثانية بتعزيز التعاون الأمني بينهما. وطلبت حكومة «الوفاق» من تركيا دعماً عسكريا برياً وبحرياً وجوياً في حربها ضد «الجيش الوطني الليبي» بقيادة المشير خليفة حفتر. وأعلن الرئيس التركي في 26 ديسمبر أنه من المتوقع أن ترسل بلاده قوات عسكرية إلى ليبيا تلبية لدعوة حكومة الوفاق، في إطار مذكرة التعاون الأمني العسكري، بعد مصادقة البرلمان التركي على قرار نشر القوات في ليبيا في 8 يناير المقبل. ومن المتوقع أن ترسل تركيا مسلحين سوريين إلى ليبيا، كما أكد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» قائلاً إن الفصائل السورية الموالية لتركيا افتتحت في منطقة عفرين مراكز لتسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا والانضمام للحملة التركية هناك.
تنذر التحركات التركية بتعميق الانقسامات القائمة بين تركيا ودول شرق المتوسط. وإذا كانت حكومة الوفاق بحاجة لحليف خارجي للتحرك من حصارها داخل طرابلس، فإن الدوافع التركية تتعدى دعم الجماعات الإسلامية ومساندة حكومة الوفاق خدمةً لأجندة أيديولوجية، إلى دوافع اقتصادية واستراتيجية.
تضم منطقة حوض المتوسط ثاني أكبر احتياطي من الغاز على مستوى العالم، ويقدر احتياطيها بـ300 تريليون قدم مكعب من الغاز، حيث اتفقت سبع دول متوسطية، هي مصر وإيطاليا وقبرص واليونان والأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل، على إنشاء «منتدى شرق المتوسط للغاز»، على أن تكون العاصمة المصرية مقره، لـ«العمل على إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب، وتنمية الموارد على الوجه الأمثل، وترشيد تكلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، وتحسين العلاقات التجارية»، حسب إعلان القاهرة لإنشاء المنتدى.
ويعتقد المراقبون أن الاتفاق التركي الليبي يأتي في إطار رد أنقرة على منتدى شرق المتوسط حول الغاز الذي استبعدت منه، ويفصل الاتفاق التركي الليبي إسرائيل ومصر وقبرص والفلسطينيين عن اليونان وإيطاليا، ويهدد مشاريع إمداد الطاقة المخطط لتدشينها في المنطقة. وقد اعترضت مصر على الاتفاق، فيما طردت اليونان السفير الليبي وتلقّت دعماً في ذلك من الاتحاد الأوروبي.
وصرّح وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، فاتح دونماز، بالقول إن مذكرة التفاهم التركية الليبية لترسيم حدود مناطق النفوذ البحرية، أحبطت المحاولات الرامية إلى إقصاء تركيا من المعادلة في شرق المتوسط، وأعلن أن تركيا ستبدأ بأعمال لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز شرق البحر الأبيض المتوسط في إطار الاتفاق التركي الليبي. وتعارض كل من قبرص واليونان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومصر وإسرائيل، أنشطة التنقيب عن الطاقة التي تجريها تركيا شرق المتوسط. ورفضت اليونان وقبرص ومصر الاعتراف بمذكرتي التفاهم وأصدرتا بياناً مشتركاً اعتبرتا فيه توقيع المذكرتين إجراءً لا يترتب عليه «أي أثر قانوني». وكثفت مصر من اتصالاتها الدولية بهدف منع التدخل التركي في ليبيا.
ومن الواضح أن دوافع الرئيس التركي لتوقيع الاتفاق الأمني والبحري مع حكومة «الوفاق» لا علاقة له بمصلحة الشعب الليبي ولا بمستقبل ليبيا، وأن اصطفاف تركيا إلى جانب حكومة الوفاق تفرضه عوامل بعضها ذو طابع جيوسياسي وبعضها أيديولوجي، والأهم من ذلك كله الصراع على النفط والغاز في شرق المتوسط. فما لم يكن هناك تفاهم بين دول منتدى شرق المتوسط للغاز السبع وتركيا، فإن المنطقة ستصبح بؤرة توتر جديدة.

*كاتبة إماراتية