تحدث الكثير عن قمة كوالالمبور والكثير وصفوها بأنها قمة «الضرار»، لأنها تدعو للانقسام كونها لم تكن تحت مظلة «منظمة التعاون الإسلامي» الجامعة لكل المسلمين. في واقع الأمر علينا أن نقر بالحقيقة المُرّة أن العالم الإسلامي فعلاً انقسم، وقد تجلى ذلك واضحاً بما سمي «الربيع العربي». فقد انقسم العالم الإسلامي إلى فسطاطين: قسم تابع للإسلام السياسي وهو متمثل برؤية تؤكد تقديم مصلحة الميليشيات والأحزاب الإسلاموية على الدولة الوطنية وحكومات متحالفة مع هذه الأحزاب. أما القسم الآخر وهو ضد أدلجة الدين واستخدامه سياسياً، ويؤكد على مفهوم الدولة الوطنية.
إن النية كانت مبيتة منذ فترة طويلة لإنشاء منظمة بديلة، فالمجموعة التي اجتمعت في هذه القمة هي نفسها المجموعة التي امتنعت عن حضور «مؤتمر مكة»، وهو مؤتمر قمة منظمة التعاون الإسلامي. فمهاتير محمد أسس قبل أن يتولى منصبه الحالي، ما عرف بـ«منتدى كوالالمبور للفكر والحضارة»، يتولى هو شخصياً رئاسته، وكان الهدف من هذا المنتدى تحالف الحكومات مع جماعة «الإخوان»، وبالتالي هذه القمة كانت عبارة عن تحويل هذا المنتدى إلى قمة وإعادة حكم جماعات «الإسلام السياسي»، الذي فشل بعد الثورات العربية، لذلك دُعيت دول واستُثنيت أخرى، ولم يتم توضيح أهداف القمة بشفافية، أو التنسيق مع «منظمة التعاون الإسلامي».
كذلك سعت تركيا لشق العالم الإسلامي، وعمل كيان موازي لمنظمة العالم الإسلامي منذ عام 1979 ووقتها أربكان، رئيس حزب «الرفاه» ومعلم أردوغان، بدأ هذا الأمر مع ثمانية دول معظمها هي التي تمت دعوتها في هذه القمة. لكن الخيط الذي زاد وجمعهم هذه المرة هو «جماعة الإخوان»، وهذا واضح من المنظمات غير الحكومية وقائمة علماء المسلمين التي حصلوا عليها من قائمة «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» ومقره الدوحة.
أيضا دعا روحاني تأسيس صندوق مشترك لدعم التعاون في العالم الإسلامي اقتصادياً. والسؤال: ما مبرر الدعوة وهناك بنك إسلامي للتنمية يتولى هذا الأمر وإيران عضوة به إلا إذا كان المقصود التغطية عن أسباب العقوبات الاقتصادية على إيران وللتمويه جرى وضع العالم الإسلامي في السياق؟ فالعمل يبدو واضحا ضد توجه الدول غير الداعمة للإسلام السياسي وعلى رأسها السعودية.
ضيوف القمة اختصروا الطريق للسعودية وحلفائها في «منظمة التعاون الإسلامي»، وأثبتوا أن جماعات الإسلام السياسي هي بوابة للتطرف ودعمهم يعني دعم الجماعات الإرهابية مثل «داعش» و«القاعدة»، وجميع هذه التيارات تنتمي إلى الأيديولوجية المتطرفة نفسها. فنجد من بين المدعوين محمد الحسن ولد الددو، هو زعيم «إخوان موريتانيا» يحرض على «الجهاد في الدول العربية»، ومن بين الحضور أيضا الداعية السوداني وٍعضو «جماعة الإخوان»، عبد الحي يوسف، الذي دعا لمظاهرات مؤيدة لـ« داعش» ووصف أسامة بن لادن بـ«أخونا ومولانا»، إضافة إلى أدائه صلاة الغائب عليه بعد مقتله.
أيضا ظاهرة «الإسلاموفوبيا» التي ذكرها مهاتير محمد وأكد على محاربتها، ماهي إلا ذر الرماد في العيون، فهذه الظاهرة ماهي إلا بدعة اختلقتها جماعات الإسلام السياسي لكي تتمكن من الانتشار في الدول الغربية وتسكت من يتفوه بانتقادها مستغلة القوانين هناك لمصلحتها. فهي تنصب نفسها المتحدث الرسمي باسم المسلمين، المتضرر الأول من تطرفهم.
هذه القمة أثبتت أن الاختلافات الأيديولوجية لا يمكن حلها بالمجاملات، وبتبني الحلول الوسط بل يجب الحزم بالرؤى، لذلك يجب التأكيد في الاجتماع المقبل لمنظمة التعاون الإسلامي على مناهضة الإسلام السياسي الذي يستغل الدين لأجندة سياسية تؤدي إلى تشويه الدين بنشوء الميليشيات والأحزاب التي تهدم الدولة الوطنية وكل مشاريع التنمية.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي