العمل الدرامي الفني الجيد، وكتابة السيناريو المحبوك والمدروس، يقود إلى أهمية الصدق مع الوقائع التاريخية، سواء المتعلقة بأحداث التاريخ أو بسيرة إحدى الشخصيات المرموقة، أو تصور لواقع مجتمع معين مما يحتاج إلى مادة علمية كافية ودراسات ميدانية وأخذ رأي المتخصصين والنقاد في ذلك.
والعمل الدرامي يرتكز على ثلاثة ركائز: كاتب السيناريو البارع، والمخرج الفني المبدع، والمؤدي (الفنان) الموهوب.. والثلاثة ينبغي أن يكونوا من البيئة نفسها التي تتم صناعة المضمون والمحتوى من أجلها، لكي يخرج لنا العمل الدرامي منضبطاً ومتوازناً ومحبوكاً ومقبولاً عند المشاهد وصادقاً في محاكاة البيئة بالنص والصورة.
لذلك تظهر أهمية الرؤية الفكرية والفنية التي يعالج من خلالها العمل الفني موضوعَه بعين الفاحص المتخصص المتبصر، ومن ثم الرسالة التي تترك أثراً لدى المتلقي من خلال الحبكة الدرامية التي تكتمل فيها الأطراف والثوابت والركائز لكي يتقبلها المتلقي ويتأملها، وكذلك المجتمع المعني.
والعمل الفني الناجح هو الذي يوعي الجمهور ويصل إلى مبتغاه ومراده، ويوصل انطباعاً ودلالة واضحي المعالم للأحداث الدرامية، وفق صيغة صادقة مؤثرة وناجحة، لأنها تؤثر على إدراك الوعي وتشكل صورة نمطية. إن الهدف هو تطوير عقلية المجتمع وتنمية مهاراته وحسه الوطني ووعيه العام حيال القضايا المصيرية. ورغم تجربتنا القصيرة مع هذا المجال الفني المتخصص، فإن الدراما تؤثر على الوعي الاجتماعي والأيدلوجي والإدراك الحسي والذائقة العامة. ولا ينبغي للعمل الفني أن يكون هروباً من الواقع إلى الماضي ونبشاً للخفايا، بعيداً عن الحاضر الذي يحتاج إلى بحوث ودراسات وأعمال درامية ضخمة لكي ينفض عنه غباراً كثيراً ران على المفاهيم.
وينصح كثير من النقاد، وهم قليلون في منطقتنا، بسلاسة الأفكار وربطها بالمضمون، وإلا تكون الدراما مزيفة وغير حقيقية وبعيدة عن الواقع. وهناك اليوم كثير من «الدراما» الناقصة والمشوهة، والتي تفقد محتواها ورسالتها، وكثيراً ما تكون على غرار الرواية والتجربة الشخصية الضيقة لمؤلفها. وقد تكون فردية الرؤية، أو ربما سيرة ذاتية للكاتب نفسه، ومن وجهة نظر أحادية ليس إلا، لكن يتم بناء دراما عليها! وهذا خطأ فادح، إذ يتوجب أن يخضع العمل الدرامي لمعايير فنية ولجنة متخصصة من النقاد والباحثين في مجال النقد الأدبي والفني. في السابق كان أصحاب الأعمال الدرامية يلجأون إلى النقاد ويطلبون منهم الرأي والمشورة والتقييم لأعمالهم قبل نشرها، لكي لا يُسَلَّط عليهم سيف النقد فيحرق عملهم ويقضي على مستقبله!
ولا يمكن إغفال جدلية العلاقة بين الفن والمجتمع، خاصة الدراما التي تنقل الصورة والمعاني والتعبير عن العواطف والأفكار، لما لها من تأثير قوي على المتلقي.
ولعل تجربتنا الخليجية مع الدراما جديدة وقصيرة، لكن لا يمكننا القفز على الواقع، وإغفال حقبة تاريخية مشرقة كان لها الدور الإيجابي في تطور المجتمع ونهضته، ونختزلها في جزئية ضيقة في حارة صغيرة، ونقول: هذه دراما تاريخية بامتياز! ربما أمكن اختصار هذا العمل ليكون مسلسلاً بحلقات عدة، بدلاً من المط والاجترار والإطالة وفقدان الرابط بين الأحداث!
ولو رصدنا الأعمال الخليجية الفنية، لما وجدنا غير كوميديات مكررة، وأغلب الأعمال الخليجية هي امتداد أو محاكات لـ «لطاش» الذي قُضي عليه وهو في عنفوان تميزه وتأثيره، وافتقدناه رغم أنه عمل فني مبدع إذا ما قورن بمسلسل «درب الزلق»، والذي مات هو الآخر في مهده، للأسباب والعوامل نفسها!

*كاتب سعودي