في السنوات الأخيرة، كان قدر كبير من التعليقات حول التغير المناخي تتراوح بين الخطورة الصارمة واليأس الشديد. ويحذر تقرير جديد صادر عن «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» من أن آثار التغير المناخي تتسارع وأن العالم بالكاد أمامه أكثر من عقد من الزمان لإجراء تخفيضات كبيرة في انبعاثات غاز الدفيئة والحد من ارتفاع درجة الحرارة ليصبح بمعدل 1.5 درجة مئوية بنهاية القرن. ومن المستبعد للغاية إجراء مثل هذه التخفيضات، بالنظر إلى الانبعاثات العالمية التي ازدادت هذا العام ومستمرة في الزيادة. ولا تزال الصين، أكبر مصدر للانبعاثات في العالم حتى الآن، تبني محطات طاقة تعمل بالفحم، بينما تخلت الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب عن القيادة فيما يتعلق بقضية المناخ. وزيادة الاحترار بأكثر من 1.5 درجة يبدو مؤكداً في هذه المرحلة، وسيكون على العالم التعامل مع العواقب.
ولكن إلى أي مدى، تحديداً، سيصل احترار الأرض قبل أن يمضي عصر الوقود الأحفوري إلى حال سبيله؟ هذا أمر يصعب التنبؤ به لأنه لا يعتمد فقط على علوم المناخ ولكن أيضاً على الافتراضات المتعلقة بالانبعاثات. وهذا، بدوره، يعتمد على التكنولوجيا والاقتصاد، وكلاهما يشتهر بأنه من الصعب التنبؤ به. وتضع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عدة سيناريوهات بشأن مقدار انبعاثات غازات الدفيئة التي ستنبعث دون اتخاذ إجراءات سياسية كبرى، لكنها لا تحدد السيناريو الذي ترى أنه الأكثر ترجيحاً. وأقسى هذه السيناريوهات، ويطلق عليه RCP8.5، يشير إلى أن درجة حرارة الكوكب سترتفع بمعدل 5 درجات مئوية (9 درجات فهرنهايت) بحلول عام 2100 – وهو مستوى كارثي للغاية قادر على إنهاء الحضارة. وعادة ما يكون هذا السيناريو الشبيه بيوم القيامة هو الذي يدفع بعض المراقبين إلى اليأس والبعض الآخر إلى الدعوة باتخاذ سياسات متهورة مثل تفكيك الرأسمالية.
يفترض هذا السيناريو أنه بعد اختبار وجيز للغاز الطبيعي والطاقة المتجددة، سيعود العالم إلى تأجيج التصنيع بالفحم في المقام الأول. لكن يبدو من غير المرجح أن تنمو صناعة الفحم العالمية بسبعة أضعاف، كما يتصور السيناريو، حتى إذا ثبت أن الغاز الطبيعي هو ظاهرة مؤقتة.
بادئ ذي بدء، ربما لا يكون هناك الكثير من الفحم المتاح على الأرض. ثانياً، يؤدي حرق الفحم إلى تلوث الهواء بالإضافة إلى انبعاث غازات الدفيئة، ما يعطي الدول حافزاً إضافياً للحد من استخدامه. ثالثاً، انخفضت أسعار مصادر الطاقة المتجددة إلى درجة أن بناء مصانع جديدة للفحم ليس ببساطة فكرة اقتصادية في معظم الأماكن. وعلى الرغم من المصانع الجديدة في الصين، تراجع إجمالي استخدام الفحم على مستوى العالم بنسبة 3% في 2019. كما أن الهند تتحول بعيداً عن الفحم، وكذلك الحال في جنوب شرق آسيا.
حتى ترامب، على الرغم من وعده بإعادة صناعة الفحم إلى مجدها السابق، إلا أنه لم يتمكن من فعل شيء من هذا القبيل.
ومع تراجع أسعار مصادر الطاقة المتجددة، سيصبح من الأكثر اقتصاداً إحالة مصانع الفحم والغاز القائمة إلى التقاعد. ويتوقع ماكنزي أن هذا سيكون الحل في معظم أنحاء العالم بحلول عام 2030. وقد بدأت البنوك بالفعل في الانسحاب من تمويل صناعة الفحم، ليس بسبب الضغوط البيئية (حيث إنها ما زالت تمول الفحم للاستخدامات الصناعية الأخرى)، ولكن لأنها تدرك أن مصانع الفحم لا مستقبل لها. وسيلحق الغاز بالركب، على الرغم من أن عدداً قليلاً من مصانع الغاز ستظل في الخدمة لدعم محطات الطاقة الشمسية عندما لا تكون الشمس مشرقة.
لذا فقد ذكرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن سيناريو يوم القيامة يشبه درباً من الخيال. ومؤخراً، اجتمعت مجموعة من علماء المناخ وحاولت تحديد السيناريو الأكثر واقعية. وقام هؤلاء العلماء بتغذية تنبؤات الطاقة في النماذج المناخية ووجدوا أن ثلاث درجات من الاحترار هي السيناريو الأكثر ترجيحاً من خمس درجات. ولكن كما لاحظ علماء المناخ، كانت وكالة الطاقة الدولية تقلل باستمرار من تقديرها لنمو الطاقة الشمسية، في كل عام تتنبأ فيه الوكالة الدولية بأن النمو في توليد الطاقة الشمسية سيتباطأ، وما يحدث أنه ينمو بسرعة كل عام. وإذا استمرت تقنيات الطاقة المتجددة في الخروج بمفاجآت، يمكن أن يقتصر الاحترار على 2.5 درجة.
والخبر السيئ هو أن 2.5 درجة من الاحترار ستظل كارثية لكثير من الناس والبلدان، وثلاث درجات ستكون أكثر من ذلك. وستصبح موجات الحرارة لا تطاق دون تكييف الهواء، حتى في خطوط العرض العالية (المناطق المعتدلة). ومن المرجح أيضاً أن تموت جميع الشعب المرجانية. وحتى درجتين من الاحترار، والتي سيتم تجاوزها في أي سيناريو معتاد، سيكون لها تداعيات عالمية خطيرة للغاية.
* أستاذ المالية العامة المساعد بجامعة ستوني بروك
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»