حدد الجناح اليساري العنيد جزءاً كبيراً من السباق الرئاسي داخل «الحزب الديمقراطي» الأميركي. بيد أن المناظرة التي جرت يوم الخميس الماضي أظهرت تغييراً في هذه المعادلة.
منذ وقت ليس ببعيد، لم يكن من الواضح ما إذا كان المرشح «الديمقراطي» قادراً على الاستمرار دون أن يتبنَ مطالب الناشطين التقدميين فيما يتعلق بتوفير الرعاية الصحية للجميع وإبرام الصفقة الجديدة الخضراء. وكانت السيناتورة اليزابيث وارين ترفع من نتائجها في استطلاعات الرأي مع كل مقترح تقدمه بهذا الخصوص، وكلها مقترحات تنافس بعضها بعضاً في التطرف. وبدا أن السباق يتحول إلى دوامة قاتلة للحزب الديمقراطي، حيث كان المرشحون يقترحون بشكل متزايد سياسات متطرفة للتفوق على تقدمية بعضهم بعضاً.
وبدلاً من ذلك، رأى الذين يعبّرون عن الواقعية في السباق، أن المرشحين من اليسار قد تجاوزوا الحدود. وكانوا محقين. فقد أصبح هؤلاء الواقعيون أكثر بروزاً، وأصبحوا في دائرة الضوء. ومع بدء المناظرة، قدمت السيناتورة عن ولاية مينيسوتا «آمي كلوبوشار» أفضل إجابة عن العزل. وبدلاً من مجرد الافتراض بأن هؤلاء الذين يراقبون وافقوا على أن الرئيس ترامب يستحق العزل، كما فعل المرشحون الآخرون، ظلت على موقفها، موضحة أسباب إدانة الرئيس. وأوضحت: «هذه ووترجيت عالمية. في حالة ووترجيت، كان رئيس مصاب بجنون العظمة يواجه انتخابات تبحث عن الأقاويل القذرة ضد الخصم السياسي. وقد فعل ذلك من خلال دفع الناس إلى الهجوم. أما هذا الرئيس ففعل ذلك من خلال مطالبة زعيم أجنبي بالبحث عن الأفعال القذرة لخصم سياسي». وأشارت إلى أن الرئيس ريتشارد نيكسون سمح لمساعديه بالإدلاء بشهادتهم، داعيةً كبير موظفي البيت الأبيض «ميك مولفاني» ومستشار الأمن القومي السابق جون بولتون للمثول أمام الكونجرس. ومن خلال تقديم إجابات تفصيلية وموضوعية، كان أداء كلوبوشار أفضل من أي مناظرة.
وبعد ذلك، أحرج سيناتور فيرمونت «بيرني ساندرز» نفسه من خلال قوله إن الاتفاقية التجارية مع كندا والمكسيك، والتي يدرسها الكونجرس، لن تحدِث سوى تحسينات بسيطة، ولهذا السبب فهو يعارضها. ثم كان أكثر تناقض فلسفي في الأمسية بشأن الضرائب بين «وارين» و«بيت بوتيجيج» (عمدة ساوث بيند، انديانا). فقد طلبت «جودي وودروف»، التي كانت تدير المناظرة، من وارين الرد على الاقتصاديين الذين يحذرون من أن خطتها لسن أكبر زيادة ضريبية منذ الحرب العالمية الثانية ستضر الاقتصاد. فقالت: «إنهم مخطئون». وجادلت بأن الاستثمار في التعليم ورعاية الطفل وغير ذلك من الخدمات الحكومية.. سيساعد الاقتصاد، وهذا ليس هو بيت القصيد. والسؤال هو ما إذا كانت آثار تباطؤ الاقتصاد المترتبة على رفع الضرائب بالطريقة التي تطرحها «وارين» ستغمر الآثار المحفزة للإنفاق الذي تقترحه السيناتورة المنافِسة على ترشيح الحزب الديمقراطي. لذلك يحذر الاقتصاديون (من كلا الحزبين)، وليس اليمينيون فقط، بشكل متزايد من برنامج وارين.
وقد رد بوتيجيج على السؤال: «نعم، يجب أن نقدم أفكاراً كبيرة، وتجب زيادة الضرائب المفروضة على الأفراد الأثرياء وعلى الشركات.. لكن يجب أيضاً أن نكون أذكياء بشأن الوعود التي نقطعها، والتأكد من أنه يمكننا الوفاء بها دون فرض هذا النوع من الضرائب التي يقول الاقتصاديون إنها ستضر بالاقتصاد.. ولذلك السبب، مثلاً، اقترحتُ جعل التعليم الجامعي مجاناً لـ 80% من الأميركيين. لكن ليس بالضرورة أن يكون مجاناً بالنسبة للأغنياء.. وأن نوفر هذه الأموال لإنفاقها على شيء آخر من شأنه إحداث فارق، مثل البنية التحتية والطفولة والإسكان والصحة».
وقد لخصت كلوبوشار هذا النهج فيما بعد، بينما كان المرشحون يصرخون في وجوه بعضهم بعضاً بشأن الرعاية الصحية، وقالت: «يمكنكم أن تكونوا تقدميين وعمليين في الوقت نفسه»، وكان عليها أن تتوسع قائلة: التقدمية أن تكونوا عمليين، لأنه، كما أوضح بوتيجيج، هذه أفضل وسيلة لضمان أن الحكومة لديها موارد للاستثمار في الأولويات التقدمية.
أما نائب الرئيس السابق «جو بايدن»، وهو المرشح الآخر المعتدل نسبياً على المنصة، فكان أكثر خمولاً. والواقع أن بوتيجيج هو الذي أثار الانتقادات من المرشحين الآخرين، بسبب النسب المرتفعة التي حصل عليها في استطلاعات الرأي في ولايتي ايوا ونيو هامبشاير. وهذا مقياس لكيفية تحول المهارة الفكرية للسباق نحو الواقعيين.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»