أدى الانتصار الحاسم الذي حققه رئيس الوزراء بوريس جونسون، الأسبوع الماضي، إلى قطع سنوات من عدم اليقين الموهن بشأن اتجاه المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، قد يكون الإعداد الدستوري داخل المملكة المتحدة أكثر صعوبة بعد الانتخابات التي عمّقت الانشقاقات ما بعد بريكست.
في إنجلترا، حقق حزب «المحافظين» المؤيد لبريكست بزعامة جونسون، انتصاراً كاسحاً وفاز بتفويض برلماني واضح لمغادرة المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير. كما حقق «المحافظون» مكاسب في ويلز التي يسيطر عليها حزب «العمال». فقد صوتت أغلبية في كلا البلدين بترك الاتحاد الأوروبي في استفتاء 2016.
وعلى النقيض من ذلك، صوتت اسكتلندا وإيرلندا الشمالية للبقاء. ويرى القوميون في كلا البلدين بريكست باعتباره تصدعاً مع أوروبا صُنع في إنجلترا التي هزت الروابط المتوترة بالفعل للبناء متعدد الجنسيات في المملكة المتحدة. ولا مفر من وجود مزيد من التحديات الدستورية لوثيقة لندن، ما يثير احتمال أن يكون بريكست – وهو مشروع قومي – هو تداعٍ للمملكة المتحدة.
وقد أثار تناول جونسون لبريكست مشاكل في إيرلندا الشمالية، التي، على العكس من اسكتلندا، التي لديها حق قانوني في تقرير المصير. وبموجب شروط بريكست التي وضعها جونسون، ستظل إيرلندا في اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي، وهو حل وسط يهدف إلى تجنب العودة إلى عمليات التفتيش على الحدود البرية مع بقية إيرلندا، التي تعد عضواً في الاتحاد الأوروبي.
وبالنسبة للوحدويين الذين يخشون أي ضعف في العلاقات السياسية مع بريطانيا، يُنظر إلى هذه التسوية كخطوة محفوفة بالمخاطر نحو الوحدة الإيرلندية، وهي هدف القوميين الذين حاربوا لإنهاء الحكم البريطاني في إيرلندا الشمالية حتى اتفاق الجمعة العظيمة لعام 1998.
وفي اسكتلندا، يدور الحديث عن إجراء استفتاء آخر للحكم الذاتي يحمل اسم «إينديريف2». كما طغى السؤال الأكبر حول وضع اسكتلندا في الاتحاد على معارك بريكست القاسية.
هنا في اسكتلندا، جاء المحافظون في مركز متأخر كثيراً عن الحزب القومي الاسكتلندي، الذي فاز ب 48 مقعداً من أصل 59 مقعداً اسكتلندياً في البرلمان، ما يجعله ثالث أكبر حزب. وأشادت زعيمة الحزب «نيكولا ستورجون» بالنتيجة باعتبارها تفويضاً لتحقيق هدف الحزب في إجراء استفتاء ثانٍ على الاستقلال، بعد خمس سنوات من تصويت اسكتلندا للبقاء في المملكة المتحدة.
وقالت يوم السبت: «من الواضح أن اسكتلندا تريد مستقبلاً مختلفاً عن ذلك الذي اختاره الكثير من سائر المملكة المتحدة. لقد أظهرت اسكتلندا معارضتها لجونسون والمحافظين، وقالت لا مرة أخرى لبريكست، وأوضحت أننا نريد أن يقرر مستقبل اسكتلندا، أياً كان، أشخاص يعيشون هنا».
واستبعد جونسون هذا القرار وقال إنه ليس وشيكاً. ولا يوجد إقبال كبير من قبل القوميين لشن حملة على الطراز الكتالوني في تحدٍ للندن، لذا فمن غير المحتمل أن ينتظر الحزب القومي الاسكتلندي ويحاول قطع العلاقات مع بريطانيا ما بعد «بريكست».
وعلاوة على ذلك، تعترف «ستورجيون» بأنه ليس جميع بطاقات الاقتراع التي صوتت لصالح الحزب الأسكتلندي كانت تؤيد الاستقلال. ويشير المحللون إلى أن صفوف الحزب الأسكتلندي تضم مؤيدين لترك الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. لكنها كانت ليلة سيئة للأحزاب التي تؤيد الاتحاد مع إنجلترا، والذي دام 312 عاماً. فقد تراجع حزب «العمال»، الذي كان مهيمناً هنا، ليحصل على مقعد واحد في البرلمان. وفقد «المحافظون» نصف مقاعدهم، واحفظوا بستة مقاعد، بينما ذهبت أربعة مقاعد أخرى إلى الليبراليين الديمقراطيين.
وذهب الباقي إلى المشرعين الذين التزموا بتقرير المصير لسكان اسكتلندا البالغ عددهم 5.4 مليون نسمة. وقال «سيمون بيا»، صحفي ومحاضر بجامعة أدنبره نابير: «المملكة المتحدة تنهار. والنظام الدستوري ينهار».
وجاءت إحدى خسائر «المحافظين» في مدينة استيرلينج، ما يعد تقدماً رمزياً للقوميين، حيث يقال إن من يسيطر على استيرلينج يسيطر على اسكتلندا.
تقول «كاري كنيدي»، إحدى ناخبات الحزب الأسكتلندي: «أعتقد أننا في حالة من الاضطراب وعدم اليقين. إذا كان الحزب الاسكتلندي يتمتع بالقوة، فيمكننا إجراء استفتاء آخر». وقالت كنيدي إنها صوتت من أجل الاستقلال وستفعل ذلك مرة أخرى. إن جيلها منقسم حول المسألة الدستورية، حيث يميل كبار السن لرفض الاستقلال. وعلى الصعيد الوطني، ينقسم الناخبون بنسبة 55% إلى 45% ضد الاستقلال. أما في استيرلينج، فقد كان هامش «لا» هو الأعلى.
وكان «فينس كونلان»، 64 عاماً، من بين الناخبين الذين قالوا «لا» في استيرلينج. وباعتباره مؤيداً للمحافظين، فهو يتمنى أن يستسلم الحزب الاسكتلندي ويركز على حكم اسكتلندا. وهو يقول: «هناك ما يكفي للقلق بشأنه دون تمزيق الاتحاد».
وقد تمت صياغة استفتاء 2014 باعتباره تصويتاً يحدث مرة واحدة في الجيل. ولكن كان هذا قبل عامين من بريكست، ويقول القوميون إن الانفصال مع أوروبا قد حطم الإجماع على أن اسكتلندا أفضل حالاً في المملكة المتحدة كعضو في الاتحاد الأوروبي. ومن خلال انتخاب حكومة محافظة مصممة على تنفيذ بريكست، فإن إنجلترا تثير مسألة الاستقلال، بحسب ما يرى القوميون.
ويرى الحزب الاسكتلندي أن بريكست سيؤدي إلى تراجع النمو التجاري والاقتصادي في اسكتلندا. وبينما كانت الهجرة بمثابة بطاقة رابحة لحملة بريكست في إنجلترا وويلز، إلا أنها كانت أقل جاذبية في اسكتلندا، التي تعتمد على المهاجرين من الاتحاد الأوروبي في الصناعات الرئيسية. وقد كان غير المواطنين مؤهلين للتصويت في استفتاء 2014، وكذلك الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم من 16-17 عاماً.
وبينما يصر الحزب الاسكتلندي على أن بريكست يعني أنه يجب استشارة اسكتلندا مرة أخرى بشأن مستقبلها، يقول الوحدويون إنه يوضح مدى صعوبة رسم العلاقات السياسية والقانونية والاقتصادية.
ولنأخذ مسألة الحدود الإيرلندية التي أفسدت مفاوضات بريكست. فإذا انفصلت اسكتلندا عن المملكة المتحدة، ستواجه مصاعب مماثلة على حدودها الجنوبية مع إنجلترا، حيث بنى الأباطرة الرومان جدرانا حجرية لدرء الغزاة. ويقول المنتقدون إن الحزب الاسكتلندي فشل أيضاً في إثبات أن الاستقلال من شأنه أن يحقق فوائد اقتصادية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»