على امتداد الانتخابات التمهيدية «الديمقراطية»، جادل جو بايدن بأنه المرشح الأفضل لإلحاق الهزيمة بالرئيس دونالد ترامب، بسبب خبرته واعتداله الذي قد يجذب الناخبين المستقلين في الولايات المتأرجحة الولاء بين الحزبين الكبيرين، وربما بعض «الجمهوريين». صحيح أنه يقدم نفسه باعتباره أقوى منافس للرئيس، لكنه يميل نحو رسالة تذكر بطريقة غريبة بدعاية ترامب عام 2016 التي مفادها أنه يريد أن «يجعل أميركا عظيمة من جديد».
ويتحدث بايدن مراراً عن إحياء الطبقة الوسطى التي يصفها بأنها العمود الفقري لهذه البلاد. ويخبر بايدن الناخبين بأن العالم الذي يسخر من بلادنا التي كانت محترمة ذات يوم، أن تغيير القيادة قادر على استعادة أميركا لمكانة القوى العظمى المزدهرة التي كانت تحتلها ذات يوم. ونمطياً، يقدم المرشحون رؤى جديدة للبلاد وتفاصيل عن خطط مبتكرة تدشن عهداً جديداً وعصرياً من السلام والرخاء.
لكن إذا فاز بايدن بترشيح الحزب «الديمقراطي»، ستصبح انتخابات 2020 منافسة بين شخصين جاوزا السبعين من العمر وأنفقا فترة طويلة من الوقت يتحدثان عن الماضي. ويرى ديفيد بيزارو وهو أستاذ علم النفس في جامعة كورنيل أن المعلنين، على مدار عقود، عزفوا على وتر إلى الماضي، وأن حملتي بايدن وترامب يتبعان الاستراتيجية ذاتها التي أجدت نفعاً في حملات الشركات التجارية. ويرى «بيزارو» أن رسالة الحنين إلى الماضي أقل شيوعاً في السياسة من أفكار مثل الأمل والتغيير، لكن من المعقول أن تستخدم الحملات الانتخابية حالياً هذه الرسالة كأداة. فرغم أن أموراً كثيرة أفضل حالاً مما كانت عليه من قبل، مثل ارتفاع متوسط العمر المتوقع وتحسن التعليم، لكن معظم الناس يعتقدون أن البلاد أسوأ مما كانت عليه في الماضي.
ويرى «بيزارو» أن أحد الاختلافات بين بايدن وترامب في استخدام رسالة الحنين إلى الماضي، هي السنوات المثالية التي يريد كل منهما العودة إليها. وشعار «لنجعل أميركا عظيمة من جديد» الذي تبناه ترامب، ربما يعني أموراً مختلفةً لأشخاص مختلفين، لكنه كان يشير بوضوح إلى الفترة السابقة على سنوات أوباما. لكن بايدن يتدثر بعباءة رئاسة أوباما، أملاً في الاستفادة من المشاعر الطبية التي يكنها كثيرون من «الديمقراطيين» للرئيس السابق، والرغبة في جعل كثير من الناخبين يعودون إلى «الوضع الطبيعي» لهذه الفترة.
لكن من المؤكد أن بايدن حريص أيضاً على تقديم رؤيته. فحين سأله ناخب في ولاية أيوا عن خططه لإصلاح الضرر الذي تسبب فيه الرئيس ترامب، رد بايدن بالقول: «لن اكتفي بالإصلاح، أريد استكمال البناء الذي أقامه أوباما وأنا». ويرى بيل روسو نائب مدير العلاقات العامة في حملة بايدن الانتخابية، أن نائب الرئيس السابق لا يخوض السباق ليعود إلى الماضي السعيد، بل ليستكمل بناء الإنجازات. وهذا يتضمن تعزيز برنامج أوباماكير والعودة إلى اتفاق باريس بشأن المناخ وتعزيز جهود التصدي لتغير المناخ، وتحديث «قانون العنف ضد النساء» ليتضمن مشكلات جديدة، مثل التحرش بالنساء عبر الإنترنت.
لكن بايدن يركز على إحياء الماضي، خاصة فيما يتعلق بصورة أميركا في الخارج. ومن المعقول أن يركز بايدن على إصلاح العلاقات الدولية، فلديه خبرة في السياسة الخارجية أكثر من أي منافس ديمقراطي آخر. ومن المعقول أيضاً أن يستعيد عناصر عصر أوباما، فقد كان نائباً للرئيس السابق. كما أن نهج الحنين إلى الماضي له معنى في حالة بايدن، حسبما يرى «ترافيس ريدوت» المشارك في تأسيس «مشروع ويسزليان ميديا» الذي يرصد الإعلانات السياسية. ويرى «ريدوت» أن إحدى مشكلات هيلاري كلينتون عام 2016 تمثلت في أن الناخبين كانوا يريدون تغييراً بعد ثمانية أعوام من رئاسة أوباما. وحاولت كلينتون تقديم نفسها باعتبارها مرشحاً للتغيير، لكن الرسالة لا تلائمها لأنها كانت من قيادات إدارة أوباما. وبايدن قد يواجه هذه الصعوبة ذاتها إذا حاول تقديم نفسه باعتباره يمثل تغيراً.
وذكر تقرير لموقع بوليتكو في الآونة الأخيرة، أن بايدن أشار إلى حلفاء مقربين أنه لن يخدم إلا فترة ولاية واحدة، إذا فاز بالرئاسة، لكن الحملة أصدرت نفياً سريعاً لهذا. لكن بايدن سيبلغ من العمر 82 عاماً بعد نهاية فترة ولاية أولى، وربما يصبح أكبر نقطة ضعف له كمرشح. وقدم بايدن نفسه على نحو ما باعتباره شخصية انتقالية، موثوقاً به ومتزناً، ويمكنه المساعدة في تحقيق الاستقرار للحكومة بعد فوضى سنوات ترامب، حتى تحدد البلاد المستقبل الذي تريده.
وهذا الشعور بالألفة، ربما يساعد في تفسير سبب استمرار بقاء بايدن في قمة استطلاعات الرأي القومية، وفي تصدره استطلاعات الرأي في أيوا وفي نيوهامبشير، رغم تراخي جمع التمويل والعدد الأقل من الجمهور في اجتماعاته الانتخابية عن منافسيه. صحيح أن مرشحين آخرين تصدروا مجموعة المتسابقين «الديمقراطيين» في أوقات مختلفة، ثم تراجعوا مرة أخرى، لكن بايدن أثبت القدرة على الصمود. وفي اجتماع انتخابي بمدينة أيوا في الآونة الأخيرة، أكد أحد الناخبين أنه (سيصوت لـ«بايدن» بمجرد فوزه بترشيح الحزب «الديمقراطي» رغم أنه ليس لديه خطة بالفعل. لكنني اتفق معه في أننا لا نستطيع تحمل أربع سنوات أخرى مع ترامب).
ستوري هينكلي
صحفية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»