على مدى سنوات، كان القادة المتحاربون في جنوب السودان يؤخرون وضع حد للنزاع الوحشي في بلادهم، وافشلوا محادثات السلام وضربوا بالمواعيد النهائية التي تم تحديدها في الماضي عرض الحائط مع تزايد عدد القتلى واندلاع الاضطرابات في جميع أنحاء المنطقة بسبب أزمة اللاجئين.
وتؤدي التأخيرات الدائمة إلى توتر علاقات الدولة مع الولايات المتحدة، التي أعلنت هذا الأسبوع فرض عقوبات على اثنين من كبار المسؤولين في جنوب السودان، متهمة إياهما بإطالة أمد الصراع الدامي في البلاد وعرقلة طريق السلام. واستجاب جنوب السودان بوكزة دبلوماسية، حيث استدعى سفيره في واشنطن «للتشاور».
وقال مبعوث جنوب السودان «فيليب جادا» خلال مقابلة عبر الهاتف إنه من المقرر أن يعود في نهاية هذا الأسبوع.
وأضاف «لقد فاجأني توقيت العقوبات»، وأوضح أنه لا يتوقع الابتعاد عن واشنطن لفترة طويلة. وأردف «لدينا ارتباط جيد للغاية، وهم يفرضون عقوبات مرة أخرى، لذا فقد بدأنا نتساءل عن السبب، فإذا كنت في حوار، هل تستمر في اتخاذ تدابير عقابية؟»
وتتبع عقوبات هذا الأسبوع إجراءات أخرى اتخذتها الولايات المتحدة للتعبير عن استيائها من دائرة العنف والنزاعات السياسية. ففي الأسابيع الأخيرة، قامت باستدعاء سفيرها في جوبا، وهددت بفرض قيود على تأشيرات الدخول للأفراد الذين يعرضون عملية السلام للخطر، وفرضت عقوبات على عدد من كبار المسؤولين.
يذكر أن المسؤولين الأميركيين ساعدوا في توجيه جنوب السودان إلى الاستقلال عن السودان في عام 2011 بعد عقود من الحرب، لكن الاقتتال الداخلي بين أكبر زعيمين في البلاد، الرئيس «سلفا كير» ونائب الرئيس آنذاك «ريك مشار»، أشعل حرب أهلية جديدة في عام 2013، وأدى هذا الصراع إلى تقسيم الأمة على طول الخطوط العرقية وأطلق موجة من المعاناة التي استمرت ست سنوات.
ورفض الرجلان محاولات عديدة للتوصل إلى اتفاقات سلام وتنفيذها. وفي النهاية وقعا على اتفاق في نهاية عام 2018 لكنهما لم يلتزما بمواعيد نهائية متعددة تم وضعها لتشكيل حكومة وحدة، وأعلنا في نوفمبر أنهما بحاجة للانتظار حتى منتصف فبراير.
وبعد عدم الالتزام بهذا الموعد النهائي قامت وزارة الخارجية باستدعاء سفيرها «توماس هوشيك» مؤقتا من جوبا وأعلنت أن الولايات المتحدة تخطط لإعادة تقييم علاقتها.
وفي يوم الجمعة، قالت وزارة الخارجية في بيان إن «هوشيك» التقى «كير» ووزير خارجية جنوب السودان بعد عودته إلى جوبا في 12 ديسمبر الجاري، وأنها تتوقع «أن تظل قنوات الاتصال هذه مفتوحة». وأوضح البيان أن عجز «كير» ومشار المستمر عن إظهار استعدادهما للتسوية «يثير تساؤلات حول ما إذا كان أي من الرجلين مناسبا لقيادة البلاد نحو حل سلمي».
وجاءت عقوبات هذا الأسبوع بعد فترة وجيزة من إعلان وزارة الخزانة الأميركية عن جولة أخرى من العقوبات على خمسة مسؤولين آخرين من جنوب السودان في وقت سابق من هذا الشهر، ووصفتهم بأنهم «مسؤولون عن اختطاف وقتل اثنين من نشطاء حقوق الإنسان في جنوب السودان، كانا قد اختفيا في كينيا خلال يناير 2017. وفي 12 ديسمبر، حذر وزير الخارجية مايك بومبيو من إمكانية تطبيق قيود على تأشيرة الأفراد الذين يعرقلون عملية السلام.
وقال جادا إن حكومته تشعر بالقلق من العقوبات المفروضة على مسؤولي جنوب السودان لكن استدعائه إلى جوبا هو رد مباشر على العقوبات التي فُرضت هذا الأسبوع على«كول مانيانج جوك»، وزير الدفاع وشؤون المحاربين القدامى و«إيليا لومورو»، وزير شؤون مجلس الوزراء.
وأوضح جادا أن «وزير الدفاع مهم للغاية في اتفاق السلام وأن فرض عقوبات في هذا الوقت ليس مفيداً في تنفيذ اتفاقية السلام».
وقال«بايتون كنوبف»، مستشار البرنامج الأفريقي في معهد الولايات المتحدة للسلام، والذي عمل سابقاً في لجنة خبراء الأمم المتحدة لجنوب السودان، إن استدعاء السفير الأميركي لدى جوبا مؤقتاً وعودته اللاحقة، هو مجرد مثال على سياسة الولايات المتحدة «غير المتماسكة» في جنوب السودان. وأضاف أن وزارة الخارجية أثارت بالفعل مخاوف بشأن قيادة «كير»، متسائلاً: لماذا نستمر في نقل الشرعية لحكومته من خلال وجود سفير هناك؟
من ناحية أخرى، تسببت الحرب في جنوب السودان في نزوح ملايين الناس، والكثير منهم لاجئون في البلدان المجاورة. كما أسفرت الحرب عن مقتل 382 ألف شخص على الأقل، وفقاً لدراسة مولتها وزارة الخارجية ونُشرت العام الماضي.
*كاتبة متخصصة في الشؤون الخارجية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»