ينتشر في هذه الأيام الادعاء بانتهاء الإرهاب والنجاح في القضاء عليه في العديد من وسائل الإعلام وتصريحات بعض المسؤولين الغربيين، يدفع بعضهم لذلك النجاحات العسكرية في مواضع انتشار تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، ويدفع بعضهم الآخر رؤية نجاحات عملية هنا وهناك، ولكن ما ينساه الكثيرون هو أن الإرهاب يا للأسف لم ينته ولن ينتهي في المدى القريب. الإرهاب ليس تنظيماً فحسب بل هو منظومة فكرية يحملها تنظيمٌ سريٌ يعتمد الطاعة والسرية والهرمية وينفجر على الناس بعنفٍ دمويٍ يتصاعد مرةً بعد أخرى، منذ التنظيم السري أو الخاص لجماعة الإخوان المسلمين وصولاً لتنظيم «داعش» وليس انتهاء به، فسيخرج غيره لاحقاً، ومروراً بعشرات الجماعات والتنظيمات الإرهابية في كل مكانٍ من هذا العالم.
وأكثر من هذا، البيئة الحاضنة لنشوء مثل هذه التنظيمات الإرهابية، فمن دون هذه البيئة لا تستطيع التنظيمات الإرهابية استقطاب وتجنيد الأتباع وجمع الأموال ونشر الدعاية، وهذه البيئة لم تزل منتشرة في العديد من المناطق المضطربة في العالم، وعلى رأسها بعض الجمهوريات العربية التي اكتسحها «ربيع الإرهاب» في العقد الأخير أو سيطرت عليها بعض الدول الإقليمية الداعمة لاستقرار الفوضى وتحكمت في مصيرها مثل ما يحدث في العراق ولبنان وسوريا واليمن على سبيل المثال.
المطلع بسرعة على بعض الأحداث قد تخدعه هزيمة تنظيم إرهابي فيما يظهر للناس، لكن الباحث والمتابع الذي يدقق ويرصد الخلفيات، ويستحضر التاريخ وتسعفه الخبرة يعلم أن مثل هذه الأحداث هي معارك في الطريق، ولا يعني ربحها انتهاء الحرب بأي حالٍ من الأحوال.
أخطر ما في الإرهاب هي الأيديولوجيا التي يقوم عليها، وما لم يتم القضاء عليها بشكلٍ مبرمٍ في العالم كله، فنحن مضطرون للعيش مع الإرهاب لعقودٍ قادمةٍ، ذلك أن القضاء على الأيديولوجيا التي انتشرت على مدى عقود، يحتاج لوقتٍ طويل للتطهر من رجسها، وتنظيف أذهان الأجيال الجديدة من كل مخلفاتها وانحرافاتها.
كل نجاحٍ يتم إنجازه في مسيرة القضاء على الإرهاب يجب أن يكون محل احتفاء وسعادة، ولكن يجب أن يكون الوعي راسخاً بأنه خطوةٌ على طريق الألف ميل، يحتفى بها، ولكنها لا تنهي الخطر ولا تقضي عليه بل تستحضر استمراره وتعقد العزم على مواصلة حربه وضربه تارةً بعد أخرى.
الطبيعة البشرية فيها الكثير من الخير والشر، وهي بحسب البيئة والظروف والمعطيات تتحكم فيمن ينتصر منهما في هذه الفترة الزمنية، أو تلك وفي هذا المكان أو ذاك، والإرهاب هو واحدٌ من أبشع أنواع الشر المدانة أخلاقياً ودينياً وفلسفياً وإنسانياً، ولو كان من الممكن أن يقضي الخير على الشر أو العكس لما استمرت نزاعات البشر ملايين السنين من تاريخ البشرية.
قدّمت دولة الإمارات نموذجاً مهماً على المستوى الدولي في محاربة الإرهاب بحيث اتجهت إلى الجذور ولم تكتف بالقشور، وأدانت المنبع بقدر ما أدانت الظاهرة، ومن ذلك تصنيفها لجماعة «الإخوان» وكل جماعات الإسلام السياسي كجماعاتٍ إرهابيةٍ لا تعترف بالأوطان ولا بحدود الدولة الوطنية الحديثة بل حدودها هي الأيديولوجيا كما صرّح بذلك حسن البنّا مؤسس «الإخوان» والكثير من رموز هذه الجماعات.
أخيراً، فمن أخطر أنواع التخذيل عن محاربة الإرهاب الزعم الذي يكرره بعض المتحمسين الصادقين على الدوام من أن الإرهاب قد انتهى وتلاشى، ولم يبق له أي خطرٍ أو تأثير، ولو كان هذا صحيحاً لكانت البشرية في راحةٍ كبرى، وهذا ما لم تصل له بعد ولا تدلّ عليه أي مؤشراتٍ علميةٍ أو عمليةٍ بعد، فالحرب طويلة الذيل في المستقبل.
*كاتب سعودي