أعلن «الديمقراطيون» بزعامة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، عن بدء إجراءات يرمون من خلالها لعزل الرئيس دونالد ترامب، بعد أن صوت أعضاء المجلس الخاضع لسيطرتهم على توجيه اتهامين للرئيس؛ إساءة استخدام سلطات منصبه، وعرقلة عمل الكونجرس.. وبالتالي إحالة القضية إلى مجلس الشيوخ (خاضع لهيمنة «الجمهوريين»)، لبدء محاكمة الرئيس تمهيداً لعزله.
ويعلم «الديمقراطيون» أن توجيه الاتهام للرئيس لن يؤدي إلى عزله، وأن الإجراءات الدستورية تتطلب تصويت غالبية الثلثين بمجلس الشيوخ، أي أنه على الديمقراطيين استمالة 20 عضواً جمهورياً إلى جانبهم لعزل الرئيس، أما ترامب فيحتاج فقط إلى 34 عضواً من بين 53 جمهورياً في مجلس الشيوخ لإفشال المساعي لعزله، ورغم ذلك، فقد استمر الديمقراطيون في إجراءاتهم، وتم التصويت النيابي الأربعاء الماضي، مما يثير أسئلة مهمة: ما جدوى توجيه الاتهامات والمضي في إجراءات العزل؟ وهل المحاكمة سياسية أو قانونية؟ وما الفائدة من المضي في إجراءات العزل والمحاكمة، والبلاد على أبواب انتخابات رئاسية؟
منذ أن بدأ الديمقراطيون التهديد بعزل الرئيس ترامب، انشغل خبراء السياسة بمناقشة نتائج التحقيقات وتداعياتها، وما قد تكشف عنه، ومصير إجراءات العزل.. حيث يعتبر عزل الرئيس أحد صلاحيات الكونجرس، كما يسمح الدستور بعزل الرؤساء الأميركيين بعد إدانتهم بالخيانة أو الرشوة أو جرائم أخرى، ويتطلب العزل تصويت الأغلبية النيابية، تم تصويت ثلثي مجلس الشيوخ، ولم يحدث أن تم عزل أي من رؤساء أميركا السابقين، رغم الشروع بإجراءات العزل لثلاثة منهم، هم الرئيس أندور جونسون الذي بدأت إجراءات عزله بتصويت مجلس النواب على اتهامه رسمياً عام 1968، ثم تمت محاكمته في مجلس الشيوخ، لكنه نجا من التنحية إذ لم ينل مشروع العزل أصوات الثلثين المطلوبة، وكذلك نجا الرئيس بيل كلينتون عام 1998، أما الرئيس ريتشارد نيكسون، فاستقال عام 1974 قبل أن يصوت مجلس النواب على بدء إجراءات عزله، إثر فضيحة «ووتر جيت» التي كشفت تورطه في التجسس على الديمقراطيين، وفى محاولة لإنقاذ رئاسته، أقال نيكسون المحقق في قضية «ووتر جيت»، أرشيبالد كوكس، وهو ما جعل عزل الرئيس نفسه أمراً حتمياً، فبادر للاستقالة.
والحقيقة أن مآل التطورات الحالية سيعتمد على المسار السياسي لا المسار القانوني للأحداث؛ فإجراءات العزل التي سعى لها الديمقراطيون ابتداءً بإثارة الجدل حول التدخل الروسي «المزعوم» في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، ومحاولة روسيا المفترضة ترجيح كفة الانتخابات لصالح ترامب، ثم التحقيق حول مدى تورط ترامب نفسه ومساعديه مع روسيا.. ذات طابع سياسي واضح، لذا ظل ترامب يشبّه التحقيقات بـ«عملية مطاردة الساحرات».
يقول التاريخ بأن الفضائح قد تنفجر أو تتلاشى أو تستمر، ومصير الرؤساء الذين واجهوا الفضائح يتحدد داخل ميدان السياسة وليس القضاء، لن يستطيع الديمقراطيون عزل الرئيس ترامب، وإن استطاعوا ضم اسمه للرئيسين جونسون وكلينتون، اللذين تعرضا للمساءلة في التاريخ الأميركي، لكن مساعيهم أثارت انقساماً داخل النخبة السياسة، بينما يبدو الشعب الأميركي غير معني بالحسابات السياسية للحزبين الرئيسيين، حسب استطلاعات الرأي. ومعلوم الآن أن كل التحركات على الساحة السياسية من جانب الحزبين، تستهدف التأثير في انتخابات نوفمبر 2020 الرئاسية، وستستغل إجراءات العزل كذخيرة للحزبين، لكن ستتم تبرئة ترامب من التهم داخل مجلس الشيوخ، وسيستغل إجراءات العزل ذخيرةً في حملته الانتخابية لتعبئة الجمهور ضد خصومه السياسيين والتشهير بهم، وستكون عواقب المضي في إجراءات العزل وخيمة على الديمقراطيين وحدهم.