يشير مصطلح صحاري الغذاء (Food Deserts) إلى مناطق داخل نفس البلد أو الإقليم، أو حتى نفس المدينة، تقل أو تنعدم فيها تماماً خيارات الغذاء الصحي، مقارنة بمناطق أخرى تتوفر وتتنوع فيها اختيارات الغذاء الصحي، ويطلق عليها واحات الغذاء (Food Oasis). ويأخذ هذا التقسيم أو التصنيف في الاعتبار نوع ونوعية الغذاء المتوفر لسكان هذه المناطق، ومدى توفر وتكلفة الغذاء الصحي، وسهولة الحصول عليه.
وغالباً ما تتميز صحاري الغذاء الصحي بسكان من ذوي الدخل المنخفض، الذين لا يحظون باهتمام سلاسل محال البقالة والسوبرماركت الضخمة، بسبب انخفاض القوة الشرائية لديهم، وعدم توفر سبل المواصلات الشخصية، من سيارات خاصة وغيرها، تتيح لهم التنقل إلى أماكن تواجد وبيع الأغذية الصحية. ولذا نجد أن صحاري الأغذية الصحية لا تتوفر فيها محال بيع البروتينات الطازجة من لحوم ودواجن وأسماك، أو محال الخضراوات والفواكه الطازجة، مما يضطر سكان هذه المناطق للاعتماد على محال البقالة الصغيرة التي توفر أطعمة مصنعة ومعلّبة، تحتوي على كميات كبيرة من السكريات والدهون والمواد الحافظة، وتفتقد الفيتامينات والمغذيات الدقيقة من معادن وأملاح.
ولا يقتصر تواجد الصحاري الغذائية على الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، بل تتواجد أيضاً في أغنى الدول وأقواها اقتصادياً. فعلى سبيل المثال، في عام 2010، صدر تقرير عن وزارة الزراعة الأميركية، خلص إلى أن أكثر من 23 مليون أميركي يقطنون ويسكنون صحاري غذائية، أي على بعد مسافة ميل واحد من أماكن توفر الأغذية الطازجة، لسكان المدن، وعلى بعد 10 أميال لسكان المناطق الريفية.
وبخلاف المسافة والبعد الجغرافي عن أماكن بيع الأغذية الصحية، تلعب الأسعار كذلك دوراً مهماً في تحديد ما إذا كان سكان منطقة ما يعيشون في صحراء أم في واحة غذائية. فعلى سبيل المثال، أحياناً ما تفتتح سلاسل السوبرماركت الضخمة فروعاً لها على مقربة من الأحياء الفقيرة، بسبب رخص أسعار مساحات الأراضي الكبيرة في هذه المناطق. لكن، هذه المحال التي غالباً ما تكون أسعارها خارج القوة الشرائية لسكان الحي الفقير، تجعل ما تعرضه من أغذية وأطعمة خارج متناول الغالبية العظمى. ولذا، سواء أكان السبب بُعد المسافة أم ارتفاع الأسعار مقارنة بالدخل، فإن سكان الصحاري الغذائية كثيراً ما يجدون أنفسهم مضطرين للاعتماد على الأغذية المصنّعة والمعلّبة، بما تحمله في طياتها من مضاعفات صحية، بسبب احتوائها على كميات كبيرة من الدهون والسكريات البسيطة، مما يجعلهم عرضة لمعدلات أعلى من الإصابة بالأمراض المزمنة مثل زيادة الوزن والسمنة (بتبعاتهما)، والسكري، وأمراض القلب والشرايين، وأحياناً حتى الأمراض السرطانية.
ويوماً بعد آخر، يتزايد الإدراك بالدور الذي تلعبه الأطعمة المصنّعة وفائقة التصنيع، وبقية أنواع الغذاء غير الصحي، في زيادة احتمالات الإصابة بالأمراض السرطانية. فعلى سبيل المثال، أعلنت منظمة الصحة العالمية في أكتوبر 2015، من خلال الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، بأن اللحوم المصنّعة يمكن أن تصنّف مواد مسرطنة، أي مواد مسببة للسرطان. ومن الأمثلة على اللحوم المصنعة الشائعة: «الهوت دوج»، والنقانق أو السجق، والبولوبيف، والسلامي، واللحوم المعلّبة، والخلطات التي تحتوي على لحوم.
ويرى البعض أنه بخلاف التأثير الصحي السلبي للأطعمة المصنّعة وفائقة التصنيع، من خلال ما تحتويه من مواد كيميائية مضافة لغرض التصنيع، أو بسبب ما تحدِثه خطوات التصنيع من تغيير في التركيب الكيميائي للمواد الغذائية الطبيعية.. فإن هذه الأطعمة تحمل أيضاً في طياتها خطراً إضافياً يتجسد في كونها تسبب زيادة الوزن والسمنة. فبخلاف محتواها المرتفع غالباً من السعرات الحرارية، تشير بعض الدراسات إلى أن الأطعمة المصنَّعة تدفع بمستهلكيها إلى الإفراط في الأكل، إلى حد التخمة، وربما يكون لها تأثير مشابه لتأثير الإدمان على الجهاز العصبي المركزي، وخصوصاً لدى الأطفال.
ويمكن إدراك حجم الثمن الإنساني للصحاري الغذائية، وعدم تناول غذاء صحي متوازن بوجه عام، من خلال حقيقة أن ما نتناوله من طعام يومي يتسبب في 11 مليون حالة وفاة مبكرة سنوياً، وهي الحقيقة التي أكدتها مؤخراً نتائج دراسة كبرى حملت عنوان «العبء العالمي للأمراض». وبذلك يكون الطعام اليومي سبباً أكبر للوفيات من التدخين، كونه مسؤولاً عن واحدة من بين كل خمس وفيات. وتتجه أصابع الاتهام لثلاثة عوامل رئيسية هي: 1) ارتفاع محتوى الملح في الطعام، والمسؤول عن ثلاثة ملايين حالة وفاة سنوياً. 2) عدم تناول كميات كافية من الحبوب الكاملة، والمسؤول عن وفاة ثلاثة ملايين آخرين. 3) عدم تناول كميات كافية من الفواكه، والمسؤول عن وفاة مليونين أيضاً. وغني عن الذكر هنا، أن هذه العوامل الثلاثة تعتبر سمات أساسية لنوعية الأطعمة المتوفرة في الصحاري الغذائية.