وافقت حكومتنا المنقسمة بشدة على اتفاق تجاري أفضل من الصفقة التي يحل محلها. إنني أتحدث عن اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا. فبعد شهور من المفاوضات المكثفة بين «الديمقراطيين» والممثل التجاري لإدارة ترامب «روبرت لايتيزير»، هناك اتفاق بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا و«الديمقراطيين» و«الجمهوريين». وعلى الرغم من أن وزير الخارجية المكسيكي قد أثار اعتراضات بشأن أحد جوانب إنفاذ الاتفاقية، وأنه ربما يكون قد تأخر في إحداث فارق، فمن المنتظر أن يوافق مجلس النواب على الاتفاقية قبل نهاية العام بينما يقوم مجلس الشيوخ بتمريرها في مطلع العام القادم.
والشيء الذي أعتقد أنه أكثر أهمية بالنسبة للاتفاقية هو أنها تكشف زيف الأسطورة القائلة بأن «الديمقراطيين» التقدميين هم حمائيون مناهضون للتجارة. وكما أكدت مراراً وتكراراً، فإن هدفنا ليس منع التدفقات التجارية، لكن بالأحرى تغيير القواعد بحيث تفيد العلاقات التجارية العمال.
من الناحية السياسية، قال بعض اليساريين إن منح الرئيس دونالد ترامب فوزاً بشأن الاتفاق التجاري الجديد سيكون خطأً فادحاً. ومن خلال إبرام صفقة مع ترامب بشأن إحدى القضايا الرئيسية، يسمح له «الديمقراطيون» بتحقيق انتصار في إحدى الجولات وفي نفس الوقت تقويض اتهاماتهم بأنه قائد غير كفء. وكما قال الاستراتيجي التقدمي «ريبيكا كاتز»: «إذا كنت تنتقد رئيساً، فلا يمكنك إذن منحه انتصارات كبيرة سيحتاجها عند الذهاب إلى الولايات الرئيسية».
ومثل هذه الادعاءات لها أهميتها، لكن يجب موازنتها ضد اثنتين من الحجج المضادة. أولاً، إذا كان «الديمقراطيون» قد عرقلوا الصفقة بدلاً من الإصرار على إعادة التفاوض بشأنها، فإن ترامب ما زال يروج لإحداث إصلاح مثالي لاتفاقية نافتا بينما يزعم أن «الديمقراطيين» يحرمون العمال الأميركيين من مزاياها. ثانياً، كان اتفاق التجارة الجديد الذي وضعه ترامب في البداية به تلاعب لصالح شركات الأدوية الكبرى. ومن خلال الإصرار على إعادة التفاوض بشأنه، يمكن للديمقراطيين تسليط الضوء على كيفية حنث ترامب لوعده بإعادة التفاوض بشأن نافتا نيابة عن العمال.
وهناك دليل دامغ آخر على أن «الديمقراطيين» كانوا قادرين على تحريك المفاوضات تجاه اليسار وهو موافقة الاتحاد الأميركي للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية (أكبر اتحاد لنقابات العمال في أميركا) على الاتفاق الجديد. لقد كان الاتحاد الأميركي للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية يعارض بشدة كل صفقة تجارية مهمة منذ اتفاقية نافتا، ولكن بعد أن لعب دوراً نشطاً في مفاوضات اتفاق التجارة الجديد وفرض معايير عمل وتحسينات في التنفيذ على اتفاق ترامب لعام 2018، قال لأعضائه «لقد حصلنا على اتفاق يمكن للعمال دعمه بفخر».
فهل يدعم مضمون الاتفاق الجديد هذا الادعاء؟ نعم يدعمه، في نواحٍ عديدة. وأهم تحسين -وهو التحسين الذي أيده العمال بكل قوة- هو تدابير إنفاذ العمل الخاصة بالمنشأة، لأنه من دون هذه التدابير، لا معنى لمعايير العمل المحسنة. ولأول مرة في أي اتفاق تجاري، يمكن فرض تعريفات وغرامات على منتجات محددة يتم إنتاجها في منشآت عازمة على حرمان العمال من حقوق التفاوض الجماعي. وإذا كانت هناك انتهاكات مكررة، يمكن منع دخول البضائع عند الحدود.
أما أهم التحسينات التالية فيه فهما سياستان نتجتا عن الصفقة. الأولى هي نظام تسوية المنازعات المنحاز لنافتا بين الدولة والمستثمرين، وهي عملية لتسوية نزاعات المستثمرين التي تقوض سياسات المصلحة العامة السيادية وفي نفس الوقت تحفز الاستعانة بمصادر خارجية. كما تم إلغاء حماية براءات الاختراع الممتدة التي حثت عليها شركات الأدوية الأميركية. ولو بقيت هذه الحمايات في الاتفاق، لكان من الصعب علينا تشريع سياساتنا التي نحتاج إليها بشدة ضد التسعير المفرط للأدوية.
وتشمل التحسينات الأخرى تعزيز قواعد المنشأ المصممة لتفادي المعاملة التفضيلية للسلع التي يتم إنتاجها في الغالب خارج نطاق دول الاتفاقية (أميركا والمكسيك وكندا)، وتحسين معايير العمل والبيئة، بما في ذلك إلغاء الشروط التي أحبطت تدابير الحفظ من خلال مطالبة البلدان بتصدير موارد طبيعية. ولن تحل أي من هذه التحسينات المشكلة طويلة الأجل المتمثلة في فقدان الوظائف الأميركية بسبب العولمة.
*جاريد بيرنشتاين
*كبير المستشارين الاقتصاديين لنائب الرئيس السابق جو بايدن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»