عندما يعرب المجتمع الدولي عن تقديره العالي للإنجازات الهائلة التي حققتها الصين خلال السنوات السبعين الماضية، ليتساءل البعض: من أين أتت الصين؟ وإلى أين تمضي خلال السنوات القادمة؟ وما هي الأهداف التي تريد تحقيقها؟ وكيف تنسجم مع العالم؟

وللإجابة عن هذه التساؤلات، أصدرت الحكومة الصينية أول كتاب أبيض شامل بعنوان «الصين والعالم في العصر الجديد»، استعرض إنجازات التنمية الصينية، والمساهمات المهمة التي قدمتها الصين للعالم، وشرح العلاقات بين الصين والمجتمع الدولي. ويؤكد الكتاب أن الصين كانت على الدوام منشئاً للسلام العالمي، ومساهماً هاماً في التنمية العالمية، ومدافعاً عن النظام الدولي وقوانينه وأحكامه.. كدولة كبيرة تفي بمسؤولياتها تجاه المجتمع الدولي.

«الكتاب الأبيض» يستعرض أيضاً الإنجازات الاقتصادية، وتحسن حياة الشعب الصيني، وتزايد الدور السياسي والاقتصادي للصين ومكانتها الدولية خلال السنوات الماضية.
وبصفتها أكبر دولة نامية في العالم، فإن الصين مصممة على انتهاج طريقها الخاص عبر نشر التنمية المستدامة، لإيمانها بأن ذلك أكبر مساهمة في السلام والتنمية للعالم، وهي تتحرك نحو التحديث والتطوير بطريقة سلمية، مما يصنع تأثيرات إيجابية شاملة للعالم. من وضع سياسة خارجية تتسم بالسلام وتنتهجه، إلى المبادئ الخمسة للتعايش السلمي مع الهند وميانمار، وفكرة بناء مجتمع بشري ذي مصير مشترك واحد، طرحت الصين سلسلة من الأفكار والمبادرات الهامة لبث الطاقة الإيجابية في العلاقات الدولية، ولتعزيز الإصلاح وتحقيق النمو الاقتصادي العالمي لسنوات، مع تخفيض عدد فقراء الريف من 770 مليون نسمة عام 1978 إلى 16.6 مليون في عام 2018، مما يعد معجزة تاريخية في الحد من الفقر. كما قدمت الصين حوالي 400 مليار يوان كمساعدات لـ166 دولة ومنظمة دولية، وكانت أكثر دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن مساهمة في قوات حفظ السلام الأممية، لذا يمكننا القول بجدارة إن الصين «مصدر القوة» للاقتصاد العالمي، و«عامل استقرار» للسلام والأمن، و«معزز» للتعاون والنجاح المشترك، وكل ذلك يثبت وجهة نظر رئيس الوزراء السنغافوري لي هسين لونج: «جلبت التنمية في الصين فوائد هائلة للصين نفسها والعالم كله من جميع الجوانب».

يقدم الكتاب الأبيض سببين رئيسين لنجاح التجربة الصينية؛ أولهما أن الصين أوجدت لنفسها مساراً يتناسب مع طبيعتها لتصل للتنمية الشاملة، فالتنمية من الأمور الهامة جداً لبناء الدول، وعلى كل دولة أن تختار ما يناسب مقوماتها وطبيعتها كطريق خاص تسلكه للوصول للتنمية التي تريدها. وفي العصر الحديث قامت العديد من الدول النامية بالبحث كثيراً عن مقومات التنمية الناجحة، وقامت بعض الدول بنسخ النموذج الغربي، ونتيجة لذلك فشلت بعض الدول في تحقيق تنميتها لأنه لا يمكن نقل النماذج من دولة إلى أخرى لاختلاف طبيعة الشعوب ومقومات الأرض، مما تسبب بظهور العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة لمن طبق النماذج الغربية دون تطويعها بما يتناسب مع طبيعة دولته، بينما وجدت الصين طريقاً صحيحاً للتنمية ذات الخصائص الصينية. إنه طريق يبدأ من الظروف الخاصة للصين، ويضع مصالح الشعب في المقام الأول، ويتمسك بالإصلاح والابتكار الدائم، وبحكم دولة القانون، ويسعى لتحقيق التنمية المشتركة والانفتاح على العالم.

قدمت الصين النموذج الصحيح للدول النامية في كيفية الإصلاح والنهوض. وفي هذا الصدد، ذكر رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة «تيجاني محمد باندي» أن تنمية الصين أعطت نموذجاً للدول النامية، وأن الدول النامية (بما فيها بلاده نيجيريا) تدرس وتحاول أن تتعلم من تجربة الصين.
أما السبب الثاني لنجاح التجربة الصينية، فهو الإدراك بأن نظرية «الدول المهيمنة تهيمن بقوتها» ليست صحيحة مئة بالمئة، فالصين خلال سبعين عاماً الماضية كان بيدها الكثير من «أوراق التهديد والضغط»، لكنها لم تمارس الهيمنة. وبناءً على إرث الحضارة الصينية العريقة، تحركت الصين في مسار جديد للتنمية السلمية والتعاون والربح المشترك. لذا قال الأمين العام لمنتدى تنمية جزر المحيط الهادئ «فرانسوا مارتيل» إن «كل ما فعلته الصين يهدف إلى تحقيق المنفعة المتبادلة والربح المشترك وعدم فرض الإرادة على الآخرين».
لقد أوضح الكتاب الأبيض تمسك الصين التام بنهج التعاون والربح المشترك، وأنها تواصل السير في طريق حماية العولمة الاقتصادية، وتطوير وتنشيط الشراكة العالمية، ودعم النظام الدولي متعدد الأطراف، وحماية العدالة الدولية، والدفع ببناء مبادرة الحزام والطريق، والمشاركة في قيادة وإصلاح الأنظمة الحكومية.. وهو التزام الصين الرسمي تجاه العالم.

*صحفي بالمجموعة الإعلامية الصينية