هناك مرات، مثلما يحدث في النزاعات المسلحة، يرى فيها الخصوم أنه من مصلحتهم الاتفاق على هدنة وتسويقها للعالم الخارجي باعتبارها محطة نحو سلام شامل، في حين أن كلا الطرفين يعرفان أنها لن تكون سوى مقدمة لتجدد التوتر مستقبلاً. وقد تكون هذه الطريقة الأفضل لوصف «اتفاق المرحلة واحد» بين الصين والولايات المتحدة. غير أن هذه ليست الطريقة التي تنظر بها أسواق الأسهم إلى الوضع. وبدلاً من ذلك، فإنها ترى أن الاتفاق يحسّن الأفق الاقتصادي الفوري وبعيد المدى.
فبعد عملية تفاوض طويلة، توصلت الحكومتان الأميركية والصينية، أخيراً، إلى اتفاق بشأن مجموعة ضيقة من المواضيع. وفي انتظار معلومات إضافية، فقد أوّلت أسواق الأسهم هذا التطور باعتباره خفضاً مهماً وفورياً للتوتر، الشيء الذي رفع عدداً من المؤشرات إلى مستويات قياسية. الفائدة الأبرز التي يشير إليها أكبر عدد من المراقبين في هذا الصدد، هي انتفاء الخطر قصير المدى لزيادات في الرسوم الجمركية، وهو تطور رحّب به معظم قطاع التصنيع الأميركي. كما دفع بعض المراقبين واستراتيجيي الأسواق إلى توقع توقف للانكماش في التصنيع العالمي، ما سيؤدي إلى استثمارات أعلى للشركات، والتي تُعد أبرز مكون ناقص في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وعلى الرغم من أنها شيء مرغوب ومطلوب، فإن هذه النتيجة الإيجابية على المدى المتوسط، من غير المحتمل أن تتحقق لعدد من الأسباب.
أولاً، لأن الاتفاق يقوم على صفقة مقايضة واردات صينية أعلى للسلع الأميركية بإزالة تهديد زيادة في مستوى ونطاق الرسوم الجمركية الأميركية على السلع الصينية في 15 ديسمبر.

ثانيا، إن تطبيق هذا الاتفاق والتحقق منه ليسا عملية بسيطة البتة، ويكشف عن جوانب ضعف داخلية مهمة.
وأخيراً، فإن موضوع التكنولوجيا ما زال يغذّي التوترات، وما علينا سوى النظر إلى بعض الأولويات السياسية قصيرة المدى في الصين والولايات المتحدة، كي نفهم لماذا اختار البلدان اتفاقاً قصير الأمد يفتقر إلى ما يكفي من الجوهر والقوة للتحول إلى حل دائم؟
فوسط عملية عزل صاخبة، وخطر تباطؤ الاقتصاد الأميركي خلال الفترة الممتدة من الآن إلى انتخابات العام المقبل الرئاسية، تسعى إدارة ترامب إلى تحقيق فوز واضح، قصير الأمد على نحو ربما يكون مقصوداً. أما مصلحة الصين، فتكمن في كسب الوقت من أجل تسريع عملية إعادة الهيكلة الداخلية اللازمة لتقليل الحساسية تجاه اضطراب التجارة. ويعتبر هذا مهماً بشكل خاص، بالنظر إلى أن تدابير تنشيط الاقتصاد قصيرة الأمد تتعارض على نحو متزايد مع الإصلاحات البنيوية طويلة الأمد. وآخر ما تريده الصين هو مواجهة ثلاثي حرب تجارة/استثمار/عملة في وقت بات يتميز بقدر كبير من ضعف التجارة.
واستناداً إلى تحركات الأسعار، يبدو أن الاستثمارات ذات العائد الثابت وأسواق العملات فهمت هذه التطورات على نحو أفضل من سوق الأسهم، ذلك أن هذين الأولين كانا أكثر حذراً في ترجمة الارتياح قصير الأمد إلى رفع طويل الأمد لحالات عدم اليقين التي تواجه النمو العالمي، خلافاً لسوق الأسهم.
وعليه، فيجدر بالمستثمرين أن يستغلوا الارتفاع في الأسعار للاتجار في الجودة (وبشكل أخص تفضيل الشركات ذات السجلات المالية القوية وقدرة عالية على خلق المال) وخطو الخطوة التالية على طريق إعادة التموضع ودفع محافظهم الاستثمارية بشكل تدريجي نحو الهيكلة الأهم التي سبق وأن أشرتُ إليها. وبدلاً من الإيمان بأن رياح الظروف الاقتصادية العالمية ستصبح الآن مواتية وتهب في مصلحتهم، يجدر بصناع السياسات الدفع بالإصلاحات الداخلية الداعمة للنمو إلى الأمام خلال فترة السلام النسبي هذه. فلئن كنا جميعاً نأمل حدوث الأفضل، فإنه من الأفضل التعامل مع «اتفاق المرحلة الأولى» باعتباره مجرد هدنة قصيرة الأمد.
*عضو مجلس إدارة المكتب الوطني الأميركي للبحوث الاقتصادية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»