حالات الفوز الساحق في السياسة ليست نادرة تماماً في السياق الأنجلو –أميركي الحديث: ففي عام 1964، حصل ليندون جونسون على فوز ساحق، وكذلك كان الحال مع «ريتشارد نيكسون» عام 1972، بينما حقق رونالد ريجان فوزين ساحقين عامي 1980 و1984. بيد أن هذه الانتصارات الساحقة أقل تواتراً في النظام البرلماني البريطاني، فيما عدا حالتين بارزتين: فوز مارجريت تاتشر المذهل عام 1983، والذي أعطى «المحافظين» أغلبية 144 مقعداً، وزلزال حزب «العمال» بزعامة توني بلير عام 1997، والذي أدى إلى حصول حزبه على 179 مقعدا أكثر من «المحافظين».
والفئة الثانية من الأحداث الديمقراطية البارزة هي «المفاجآت». نحن على دراية تامة بالمفاجأة المذهلة التي أحدثها دونالد ترامب عام 2016. وفي الواقع، إذا كانت الصحافة لديها بروتوكول للصدمات مثل الرابطة الوطنية لكرة القدم، لكان معظم النقاد في مجال الإعلام، وبالتأكيد جميع «الجمهوريين» المنتمين لحركة «# لا لترامب» ما زالوا يغمغمون بغموض بشأن عدم رؤية هذا يحدث.
وهذا يجعلنا نتساءل عن كيفية تصنيف انتصار رئيس الوزراء بوريس جونسون المذهل يوم الخميس الماضي. على الرغم من أن أغلبيته الجديدة المكونة من 80 مقعداً في مجلس «العموم» ليست كبيرة مثل تلك التي حصل عليها بلير أو تاتشر، فإنها مع ذلك هائلة إذا ما قورنت بالهوامش المحدودة لبلد تشهد سياسته تعثراً منذ عقد من الزمان. ولأسباب مختلفة، لم يتوقعها أحد تقريباً، على الرغم من أن بعض استطلاعات الرأي أشارت إلى حصول حزب «المحافظين» على أغلبية تزيد على 20 مقعداً.
يقدّر الكاتب ألكسندر هاميلتون «الطاقة في السلطة التنفيذية» باعتبارها مكوناً ضرورياً في الحكومة الناجحة، لكنها لا غنى عنها على الإطلاق في الحملات الحديثة، وقد حصل عليها جونسون بشكل واضح. وقد استخف به الكثير من أعدائه، لكنه تقدم بشكل كبير وسحر أغلبية هائلة في بلاده المنقسمة بشكل كبير. في الأسبوع الماضي أعربت عن أملي في أن يفوز جونسون، لكنني لم أكن أعتقد أن هذا المستوى من النصر كان ممكناً. وبعض التحليلات المتعلقة بنتائج الانتخابات، ترى أن «المحافظين» بزعامة جونسون قدموا أنفسهم مثل «المحافظين» بزعامة «بنيامين ديزرائيلي» قبل 150 عاماً، باحثين عن النمو والفرصة للمواطن العادي، ولكن مع التحلي بالذكاء والتميز في كافة أنواع الإنجاز.
والآن أصبحت الآفاق السياسية مفتوحة للبريطاني الذي يستطيع إثبات أنه حاسم بالنسبة للغرب. وقد كتب المؤرخ «جيرترود هيميلفارب» عن ديزرائيلي «أنه في عام 1878 في الكونجرس في برلين، برز باعتباره شخصيةً بارزةً ومحارباً. وبكونه جريئاً ومثابراً، ومهدِداً بالانفصال عن الكونجرس وحتى إعلان الحرب على روسيا، نجح في تقويض مكاسب روسيا وحل الأزمة لصالح بريطانيا وأوروبا». وأشار هيميلفارب إلى أنه «ربما لم تأت أعظم إشادة بدزرائيلي من رجل إنجليزي أو يهودي ولكن من رئيس وزراء بروسيا. وكان من المثير للإعجاب – وليس بسخرية – أن أشاد به أوتو فون بسمارك».
يأمل العالم الحر أن يكون جونسون ناجحاً في التعامل مع الصينيين والروس، مثلما فعل «ديزرائيلي» مع الروس والألمان في عصره. إن جونسون لا يمتلك أسطولاً بريطانياً شاسعاً، مثلما كان الحال في الأيام الخالية، على الرغم من أنه يجب عليه بالتأكيد الوفاء بتعهده بالبدء في التوسع الذي تشتد حاجة البلاد إليه.
وما يستطيع جونسون تقديمه بكل تأكيد، رغم ذلك، هو القيادة في صياغة الحلول لمعضلة «الأمتين» الحديثة التي تثقل كاهل الغرب: لقد تراكمت الثروة عند تقاطع التكنولوجيا والحاجة، مما أدى إلى ابتكارات مذهلة في العديد من الأماكن لكن اليأس، الذي غالباً ما يصاحبه الإدمان، تراكم في أماكن أخرى. ومع تنامي أزمة انخفاض عدد الفرص، أصبحت سياستنا أكثر انقساماً من أي وقت مضى من حرب فيتنام، وأصبحت أجهزة الإعلام مسمومة على اليسار واليمين بنوع من الشراسة التي عادة ما تعمي كل منهما عن وجهة نظر الآخر والفضائل الحقيقية الواقعية.
ومع ذلك، هناك أمل في أن تصبح السياسة ممتعة مرة أخرى. هذا أمر صعب على وجه الخصوص، بالنسبة للأشخاص الأكثر صخباً على جانبي الهوة الأميركية، وهم يذمون بعضهم البعض، حول شخصية ترامب وأنصاره، أو عن سخافة هذه السلسلة المتسرعة من المقالات عن العزل. ولكن لا يزال هناك أمل. وقد نلمح هذا الأمل في فوز جونسون الحماسي وفي أفضل أيام ترامب.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»