فجأة، أصبحت واشنطن تنجز الأمور بطريقة الحزبين. وهذا على الرغم من – أو ربما بسبب – الجهد الحزبي الشامل لإقالة الرئيس دونالد ترامب. يتعرض «الديمقراطيون» و«الجمهوريون»، في الكونجرس وفي البيت الأبيض، لضغوط لإظهار الإنجازات مع اقتراب العام المضطرب سياسياً من نهايته وتكثيف الدورة الانتخابية لعام 2020.
والآن، يبدو أن هناك شيئاً مهماً للجميع تقريباً: لقد كشف «الديمقراطيون» في مجلس النواب عن مادتين تتعلقان بالعزل ضد الرئيس ترامب، متهمين إياه بإساءة استخدام السلطة وعرقلة الكونجرس بسبب تعاملاته مع أوكرانيا. وتم التوصل إلى اتفاق بين الحزبين بشأن تشريعين رئيسيين، الاتفاقية التجارية الجديدة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، وأكبر مشروع قانون لتمويل الدفاع في التاريخ الأميركي.
والصفقة التجارية التي تحل محل اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية «نافتا»، تمنح الرئيس ترامب حق التفاخر في واحدة من أهم قضايا حملته، وهي قضية تخاطب مباشرة العمال ذوي الياقات الزرقاء، الذين تخلى العديد منهم عن الحزب الديمقراطي في عام 2016 وصوت لصالح ترامب.
لكن بالنسبة لبعض المحللين السياسيين، فإن هذا الأمر مخاطرة يجب أن تأخذها رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي بالاعتبار. ويضيفون أنها فازت في هذه العملية بتنازلات حول أمور عزيزة على الحركة العمالية. يقول «جيرمي ماير»، أستاذ مشارك في السياسة والحكم بجامعة جورج ماسون بفيرجينيا: «هناك خطر حقيقي بالنسبة للديمقراطيين في إعطاء ترامب إنجازاً، لكن في نفس الوقت من الجيد رؤية هذا في خضم عملية العزل». وإذا فشلت الجهود المبذولة لاستبدال «نافتا» باتفاقية جديدة، سيلقي ترامب باللوم على الديمقراطيين في مجلس النواب. وبدلاً من ذلك، فإن بيلوسي (رئيسة المجلس) وريتشارد ترومكا (رئيس الاتحاد الأميركي للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية)، سيستخدمان نفوذهما لإضافة بنود أساسية إلى الاتفاق الجديد.
وتتمحور مطالب «الديمقراطيين» من أجل التغيير حول التطبيق، وحماية العمال والبيئة، وأسعار الأدوية. وقد تمت إزالة الحماية عن الأدوية البيولوجية، والتي كانت ستحافظ على الأسعار مرتفعة. وتمت إضافة قواعد جديدة بشأن الملكية الفكرية والبيانات. ولم يصدر البيت الأبيض، بعد، أحدث نسخة من الاتفاقية.
وقد أعرب بعض الليبراليين والمحافظين عن استيائهم من الصفقة، مما أحدث انشقاقات لم تكن مفاجئة في وقت الانقسام السياسي الشديد. وبالنسبة لليبراليين المتعارضين، فإن فكرة منح ترامب نصراً تشريعياً كبيراً لا معنى لها. وبالنسبة لبعض المحافظين، مثل السيناتور الجمهوري «بات تومي» (بنسلفانيا)، فقد أعطت الصفقة الكثير لليسار. لكن مع موافقة بيلوسي وترامب، من المتوقع أن يوافق الكونجرس بغرفتيه على الصفقة في مطلع العام المقبل.
ويقول «باتريك جريفين»، مدير الشؤون التشريعية في عهد الرئيس بيل كلينتون: «الحكمة التقليدية هي أن لا تمنح الرئيس فوزاً كبيراً في عام الانتخابات. لكن هناك ظروف مهدئة هنا لا تجعل هذا نهاية العالم». ويضيف جريفين أن تلك الظروف هي العزل وحقيقة أن انتخابات 2020 لا تزال بعيدة، من الناحية السياسية.
وبالنسبة لبيلوسي، يعطي الاتفاق التجاري الغطاء اللازم للديمقراطيين المعتدلين الذين يقاتلون من أجل الاحتفاظ بمقاعد مجلس النواب في مناطق لا تؤيد عزل ترامب. ويبدو أن بيلوسي نفسها ليس لديها تأنيب ضمير بشأن المفاوضات التي أفضت إلى الاتفاقية التجارية الجديدة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا. ويوم الثلاثاء الماضي، قالت لزملائها «الديمقراطيين» في مجلس النواب: «لقد أكلنا غداءهم»، وفقاً لتقارير إخبارية متعددة.
وفي وقت متأخر من مساء الاثنين، ظهرت أول لحظة رئيسية للحلول الوسطى بين الحزبين في أسبوع، عندما أعلن الديمقراطيون والجمهوريون في الكونجرس الاتفاق بشأن قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2020. وتلبي أحكام مشروع القانون هدف ترامب الذي يناقشه كثيراً فيما يتعلق بإنشاء قوة فضائية كفرع عسكري سادس. كما يقضي بتوفير إجازة أبوية مدفوعة الأجر لمدة 12 أسبوعاً لجميع الموظفين الفيدراليين، وهو هدف ديمقراطي طال انتظاره، وعلاوة بنسبة 3.1% للقوات، وقد تعد أكبر زيادة في الأجور خلال هذا العقد.
وأعرب المحافظون الماليون عن استيائهم من تكلفة مشروع قانون الدفاع (738 مليار دولار)، حيث يصل العجز الفيدرالي السنوي إلى تريليون دولار، لكن أصوات ضبط النفس بشأن الإنفاق تمثل أقلية مميزة في عهد ترامب.
والأهم من ذلك حالياً، هو الإقالة والتنافس السياسي قبل انتخابات 2020. فقد يحدِث الاتفاق التجاري الجديد اختلافاً مع الناخبين في الولايات التي فاز فيها ترامب بهامش ضعيف عام 2016 (ويسكونسن، ميشيجان، بنسلفانيا).
ليندا فيدلمان*
*صحفية متخصصة في شؤون البيت الأبيض
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»